لقد أجاد الشاعر المعروف محمد بن عبدالله القاضي عرض كثير من الحكم والأمثال والعبر في قصيدة طويلة تصل إلى قرابة الخمسين بيتاً من الشعر الجميل، السلس الواضح، السهل على المتلقي المقبول لدى السامعين النافع لما فيه من المواعظ. يتنقل فيها بين حكمة وأخرى وينقلنا من فكرة إلى فكرة يوجز فيها جملة من الوصايا والحكم ويعرض أمامنا صوراً للحياة والمعاملات والدنيا وما يجري في الحياة من عبر سواء في الصمت وبلاغته أو النطق وسلامته، أو التعامل مع الآخرين أو الرضا باليقين أو الموت وما بعد هذه الحياة، ولأن القصيدة طويلة على مساحة الصفحة لذا أقتطع منها بعض ماتضمنته القصيدة في ثلاثة أعراض: عن الخصال الحميدة يقول: الصبر محمود العواقب فعاله والعقل أشرف ماتحلت به الحال والصمت به سعد من يناله والهذر به شر وشوم وغربال وأشر آفات الفتى البخل بماله وأشر منه المطل في كل ما قال ولاخير في اللي مايصدق مقاله فعل بحالات قصيرات وطوال وبهذا يشير القاضي إلى خصال حميدة هي: الصبر، والتحلي به وبالعقل والرزانة، ووزن الأمور بميزانه، وحفظ اللسان ووزن الكلام، والكرم وعدم المماطلة في الوعود أو إخلافها، والصدق في كل الأحوال، ولا شك أن البعير يعقل بعقاله المعروف، لكن الرجل يعقل بلسانه وأقواله فما قاله لزمه والتزم به. أما عن العز والفخر فيقول: ولايفتخر من جاد عمه وخاله هي بالهمم لابالرمم مثل من قال الجمر يمسي مثل الخلاص اشتعاله ويصبح رماد خامد مغبر بال وهو بذلك يذم من يجلس مفتخراً بمن سبق من أهله وفعالهم الطيبة وهو كسول عن العمل يكتفي بالتغني بالأمجاد التي فعلها غيره فالناس تحكم عليه من فعاله لامن فعال أهله ومثل ماقال المثل: ( الضو ماترث إلا الرماد) وعن الدنيا قال: من قالب الدنيا بالأريا لحاله أخطا وصاب وله دليل بالأقوال كم خير ما نال منها سواله وكم ثور هور ساعفت له بالأقبال وكم عاقل به حاذق (راس ماله عقله) وكم بهلول عقل جمع مال من اغتر بالدنيا فهو من هباله مايعتبر بآجال جولات الآجال صولات دولات عصاة مضى له ملك وحطتهم تواريخ وأمثال ذهبوا وذهب المال من له ولا له والحمد هو والمجد يبقى ليا التال والعمر ظل زايل لامحالة وبالحشر ينشر عن عمل وزن خردال وبهذا يحذر من الدنيا والاغترار بها ويطلب الاعتبار بالأجيال السابقة والدول التي دالت وذهبت، ويحسب حسابه ليوم يوزن عمله ولو كان مثقال ذرة من خردل. رحم الله الشاعر محمد القاضي على قصائده التي تعد في صفحات الشعر أنموذجاً فريداً وشموعاً تضيء للشعراء طريق المحاكاة والاقتداء والدروس الواضحة لما فيها من النفع والفائدة والجودة السبك والحبك والأسلوب السهل والبيان الرفيع والصور العالية المميزة التي يختارها من درر التجارب والأمثال والمواعظ والحكم.