من مفردات اللغة كلمة : ( الدنيا ) ومن عجائب هذه المفردة رغم قلة حروفها إلا أنها احتملت كل ما يفكر فيه أصحاب الأقلام والناطقين سواء بشعر أو نثر ، وتأتي في الاستعمال بمرادف الأيام وأحيانا نعبر عنها بكلمة الليالي والحياة . ففي هذه الحياة والليالي أو الدنيا الغرر والتلون والخداع وفيها الكدر والضيق والهم وفيها الشقاء والتعب والكبد ولا تثبت على حال . جمعت المتباينات فربما أفلس فيها التاجر وربما اغتنى الفقير وشفي المريض ومات الصحيح ، أخفت مفاجآتها للغافل عنها وجاءت طواعية لأحدهم واستصعبت لآخر وحملت في بطنها وأيامها كماً من الخفايا . تركت بعضهم حتى تمادى ثم انقضت على من طمع فيها ، رخصت عند بعضهم فلا تهمه ، وغلت عند آخرين فتمسك بها . باع بعض الناس بسببها ضميرهم وفقد ذمته وتحمل أوزارا بسببها ، وانتفع آخرون بعمره فيها فملأ الأيام نفعاً لنفسه ونفع غيره . في النهاية لابد أن نعرف أن الدنيا مزرعة للآخرة ، أيامها غنيمة لمن تعامل معها ولم ينس نصيبه منها ، وعمّرها بما يرضي الله وفي طاعته سبحانه ، فمن اشتغل فيها بالطاعة حصد نتائج عمله. منها أخذ الشعراء مادة لقصائدهم وجعلوها مفردة ضرورية لابد من المرور عليها بشيء من التحذير أو التنبيه أو النصح أو الشكوى ، واستعرضوا مسيرتهم فيها وما جرى عليهم وما تحملوها عبر حياتهم . كان في تناول الشعراء لها ما يشبه الاتفاق فيما بينهم فتوحدت واتفقت مضامين أشعارهم عنها فلم يختلفوا في عرضها وتصويرها ، وتنوعت زوايا التناول بحسب اهتمام كل شاعر وتجربته ، وكما هو معلوم فإن الدنيا ذات وجوه متعددة وطرق مختلفة وتقلبات مستمرة ، وكل صفحة من صفحات أيامها تحمل عنواناً من عناوين محتوى مفرح أو مؤلم ، باسم ضاحك أو عابس مكشر ، يحمل السرور أو يأتي بالأحزان . من الشعراء من كان تركيزه في قصائده على المال وتحصيله ، والخسارة فيه والربح ، والبخل به والسخاء ، وذم الشح ومدح الكرم. ومن الشعراء من تناول الأرزاق وتقسيمها فبينها كهبات من رب الأرض والسماوات ، ومنهم من كان اهتمامه في شأن الدنيا بالصديق والرفيق ، والصحبة وحسن الجوار ، ومنهم من ذكر طبائع الناس فأوصى وأشار وحذر وأنذر ، ومنهم من تناول مجال الأخلاق وجانب العبادة ، منبها على قصر الأيام وضآلة أيام العمر ، على أن القاسم المشترك بينهم جميعاً هو عدم الأمان والاغترار بعذوبة بعض ساعات العمر وصفائها ، فربما حملت تحت بريقها كدراً يفاجأ به الشخص وهو غافل . وجاءت مضامين قصائد معظم الشعراء الذين تناولوا وصف الدنيا وذكر تفاصيلها في مساحة الزهد فيها وعدم الانخداع بها وإن أعطت وجها مشرقاً ضحوكاً. يقول الشاعر : وصل العطياني: العمر يفنى والحياة أحلام والدنيا متاع يا كمّ نفسٍ روّحت ما حقّقت مطلوبها يا منخدع في ضحكة الدنيا ترى الضحكة خداع لا تأمن الدنيا ولو تضحك لك مع جنوبها يقول الشاعر : زبن بن عمير : دنيا كفى الله شرها يابن عياف أحد تشيله فوق واحد تحطه وسيعة بحدودها مالها أطراف ولحد عليها مريْح ،كل بشطَّه وابن عياف المذكور هنا هو : عبد العزيز بن عياف.وكيل الحرس الوطني. وكلمة : شطه ، يعني تعب ومشقة وشقاء . ويقول الشاعر : فهد بن جويعد ، أكمالا لما قال الشاعر زبن بحسب رواية منديل الفهيد : الناس فيها جملة أشكال واصناف و كل على ما قدر الله يحطه احد بها كنه على جال ميهاف يفرح ولو قيل أظلم القبر حطه واحد بها دايم مشيح وميجاف و يجي لكاسه مستريح يلطه واحد تورده المهامه والاتلاف دربه وعر والشوك كله يبطه واحد حياته دايم يتلا الأسلاف لا له حلال ولا عيال تشطه واحد بها حَبْر ذكي وعراف مير الليال المدلهمه تغطه واحد دوينيٍ غبي وخواف رزقه بحر ،كنه على جال شطه واحد حياته عالة فوق الأكتاف ويخط له ويقال يازين خطه واحد يزوم نفيسته كل أحجاف يا لابس ثوب الطغا عنك وطه واحد يعرض الناس له غزو ونكاف يدوّر السير القصير أو يمطه واحد إذا الله مد له صار هتاف ريف الرفيق إن جا زمان يشطه واحد إذا أسعده القدر صار حياف ياموطين روس النشاما توطه كل بعقله راضي ما به خلاف الا لحظّه وده انه يقطه واحد تصاليط على كل متلاف لا قيض الله دون منه ويفطه واحد نظامه يوقفه غصب ويخاف واحد يخوّف بالنظام وينطه لله في خلقه تدابير والطاف وكل على ما قدر الله يحطه محمد السديري ويروى أن ابن رشيد ومعه مرافق له يقال له حمود ، مر في طريقه بصاحب مزرعة وهو ينشد أثناء عمله كالمعتاد ، يقول : (الأيام ماخلن من لا كونَّه ) فقال ابن رشيد وهو يلتفت لرفيقه حمود : ماشفت من ربي شر ياحمود . فأكمل الفلاح البيت بقوله : ( ومن لا كونَّه عابيات عباها ) فقال ابن رشيد خف من ذي ياحمود . ويقول الإمام تركي بن عبد الله : دنياك يابن العم هذي مغرا ولا خير في دنيا توري النكاري تسقيك حلو ثم تسقيك مرا ولذاتها بين البرايا عواري ويقول الشاعر محمد السديري : أخذت اعد أيامها والليالي دنيا تقلب ما عرفنا لها قياس كم فرقت ما بين غالي وغالي لوشفت منها ربح ترجع للافلاس يقطعك دنيا ما لها أول وتالي لو ضحكت ، للغبن تقرع بالاجراس المستريح اللي من العقل خالي ما هو بلجات الهواجيس غطاس ماهوب مثلي مشكلاته جلالي ازريت اسجلهن بحبر وقرطاس حملي ثقيل وشايلة باحتمالي واصبر على مر الليالي والاتعاس ويقول شاعر بلدة التويم ، إبراهيم بن عبد الله بن جعيثن. فكرت بالدنيا وهي مثل لجه بحوروكل في البحور يغوص احد قليل الفود لو كثر غوصه واحد من الغبه يجيب فصوص ما ياخذ الدنيا قوي بحيله ولا حازها بالحرص كل حروص ولا يحرم الارزاق في الناس عاجز ولو كان هماته محازم خوص تراها من الباري تقسم وهايب على هذا من هي النبي نصوص وينتهي المقال ولا تنتهي القصائد التي قال شعراؤها بعض آرائهم في الدنيا ونقلوا لنا صورا من حياتهم ومواقفهم وبثوا لنا شكواهم وأرونا الجروح والمعاناة ، والعاقل هو الذي لا يجرب الشيء المجرب ولا يستهين بتجارب الآخرين ومشورتهم ، وإنما يعتبر لكي يضيف لعمره أعماراً من سبقه ويختصر الطريق نحو الأفضل فلعله بهذا يتخطى كثيرا من المصاعب ، وللشعراء في هذا الباب فضل كبير في نقل خلاصة تجاربهم .