يا ونّة ونيتها، أو يا ونّتي، أو ونّيت إعلام عن حالة الشاعر في شكواه، وهذه الشكوى قد تكون صادقة عندما يذكر أسبابها ويقتنع بها المتلقي، وقد تكون مجرد استعراض لمقدرته كشاعر يتخذ التعبير السائد للتأثير في الآخرين، ويتبين ذلك من خلال مضامين القصيدة. الونّة هي الأنين، وفي اللغة، الأنين: مصدر من أنّ، وهو صوت التوجّع أو التأوّه ألمًا، وللساقية صوت يشبّهونه بأنين المتوجِّعين. ونحن نقول عن صوت المحالة التي يأتي فوقها الرشا لرفع الماء من البئر أنها تغني. والواقع أنه يشبه الأنين. كما جاء أيضا عن الأنين أنه اسم وهو صوت الأنن وهو طائر كالحمام أسود له طوق كطوق الدبسي أحمر الرجلين والمنقار؛ صوت القوس عند الإنباض يتلاشى تدريجيا. وجاء في مفردة: ونّ : (و ن ن). بِهِ وَنٌّ: أي ضَعْفٌ. وتَدُقُّ بِالوَنِّ أي بِالصَّنْجِ الَّذِي يُضْرَبُ بِالأَصَابِعِ. والشعراء يريدون ذلك كله، سواء صوت الأنين أو ضعف الحال أو الاستسلام للعوارض التي جعلتهم في حالة من العجز، ولكنهم يستخدمون مفردة: الونّة جريا على عادة الشعراء ولا يجدون أبلغ منها في وصف سريع مباشر، يقول أبو دباس. ياونة ونيتها من خوا الراس من لاهب بالكبد مثل السعيرة فالونّة، هي صوت المريض والمتوجع من مرض وغيره، كما هو معروف. ويقصد بها : الأنين الذي يصدر منه حيث لا يقوى على إصدار شكواه ولا الكلام لمن حوله لشدة الإعياء، وإنما يسمع له شكوى بواسطة الأنين فقط أو لأنه فاقد لشعوره بمن حوله، ولهذا استعيرت الحالة وشبه بها كل من أعياه التعب أو الهم والحزن وتكالبت عليه الهموم، فأخذ الشعراء حالة المريض في مرحلة الأنين وشبهوا حالتهم به فصاغوا أبياتهم مستهلين قصائد الحزن والألم بكلمة الأنين وقولهم: يا ونتي، أو ياونة ونيتها، أو ونيت، ولا أجد أحدا انتقد ذلك أو اعتبرها مفردة استخدمت في غير موضعها. وكأن الشاعر من بداية قصيدته يرفع لها عنوانا يختصر على المتلقي البحث عن غرض الشاعر في أبياته، وأيضا هناك من المتلقين من تستهويهم القصائد ذات الطابع الحزين لأنها تشاركهم همومهم ويجدونها معبرة عنهم، خاصة عندما تمر بهم الحالة نفسها. ولعل ابتداء القصيدة بالأنين علامة على مضمون القصيدة وأن الشكوى تعد ركيزة أساسية فيها، والحزن في ثناياها. وما أن يذكر الشاعر رمز القصيدة وهو الحزن والأنين حتى يتبع ذلك توضيحا لشكواه، ولا يقف عند حد الشكوى فقط، لأن للشاعر قصدا وهو لفت الانتباه أولا ثم بعد ذلك يفصل في غرضه ويعلل سبب أنينه. فكما قال الشاعر أبو دباس، في قصيدته التي هي رسالة لولده دباس وهو في غياب سفر طال على والده وشكا الوحدة والحاجة والتي استجاب لها ولده ورد عليها وقدم بعدها، تعد من أكثر القصائد تأثيرا، ذلك لأنها صادرة من وجدان أب يتشوق لرؤية ولده ويخاف عليه، ففيها يتجلى قلق الأب، وبالتالي كان استهلالها ب (يا ونة ونيتها) يقابلها من المتلقي قناعة بصدقها، بعكس خيال بعض الشعراء واستخدامهم الأنين في بعض أبياتهم دون مبرر كاف. ومن القصائد المؤثرة أيضا والتي أكثر الشاعر فيها ذكر حزنه وألم إحساسه قصيدة الشاعر: فهيد بن سكران حيث يقول: يا ونتي لوهي بحيدٍ تكسر علّامها الله عالمٍ بالخفيات ونيتها ونة كسيرٍ يجبر تكسرت منه العظام الصليبات أو ونة اللي طايحين مجدر وجيههم مثل الكبود المشواة والقصيدة طويلة على هذا المنوال وفيها تكرار لمفردة: الونّة، وأيضا تتابع سرد المبررات التي تجعله محقا في شكواه، كلها تأتي بغرض التأثير والإقناع والإصرار على عدالة قضيته سواء كانت القصيدة غرضها الغزل أو الحزن والألم أو الفقد والضعف وغيره. ويقول الشاعر منصور المري: ياونة ونيتها في خفايا واكنها خوف المخاليق تدري ماتحتملها طيبات المطايا اوّاه بعض الناس لاون يدري ويقول الشيخ سعدون العواجي: ياونة ونيتها تسع ونات مع تسع مع تسعين مع عشر ألوفي مع كثرهن باقصى الحشا مستكنات اعداد خلق الله كثير الوصوفي ونة طريح طاح والخيل عجلات كسره حدا الساقين غاد سعوفي ولأن مفردة: الونة، ملفتة للانتباه كما أسلفت، ويتركز فهم القصيدة من خلال تأثيرها، فقد جاء بها بعضهم على سبيل الفكاهة والتندر مثل: قول أحدهم شعراً: ياونة ونها سعدون اللي غدا له تسع ميه غدا بهن واحدٍ مجنون ما ينعرف رقم تكسيه ويقول آخر: ياونتي ونة البابور اللي تحدر مع السكه البنت تمشط شعر بعطور وانا كلت رأسي الحكه ويقول آخر: ياونتي ونة المزكوم ليا عطس ينصدع راسه كل المواجع تجي بالكوم وشوف المناديل محتاسة ويقول بعضهم: يا ونتي ونة طريح العصافير وإلا غراب عاشق له حمامة ويقول: امس الضحى في تالي الليل ونّيت ونة مريض ٍما به إلا العوافي ويبحث الشاعر عادة عن أضعف ما يراه لكي يشبه ونته به، كاليتيم مثلا والضعيف، والكسير، فيقول بأن ونته ومعاناته تشبه ونة ذاك اليتيم أو الكسير والضعيف. يقول الشاعر يا ونتي ونّة يتيم يعزرونه شاف الجفاء عقب المحبين وانلاعي من عقب ما أمه وأبيّه يغذونه والنه العمات شينات الاطباعي ويقول الشاعر براك بن سحمان: يا ونّتي ونّة هزيل المعاويد على القِليب اللّي طويلٍ حَدَرْها أشكي من الفرقا وطول المواريد وزَمْلي من القامه تثالغ دِبَرْها وتقول الشاعرة الدقيس: يا ونتي ونة مضيع بعيره والما ثمان أيام سج المعاشير ونيت ونة ميس من ضميره حنين خلج مفختات لهن ضير