في منتصف ليلة شتاء باردة ينعكس ضوح برقها على نخيل القرية وعلى جدران الطين والمطر ينهمر والرعد يهز جدار الطين الذي شرب طينه مياه السيل ويستعد للسقوط ووسط ظلمة المكان الذي يكسر زاوية منه نور سراج في غرفة طين صغيرة يأتي منها أنين وأحيانا يتحول إلى بكاء انه شايع ذلك الفتى الشقي الذي تعرض لكسر في الفخذ اثر سقوطه من أحد الجدران وقد وضع الطبيب الشعبي جبيرة من رقائق الخشب وعجينة الحلبة على مكان الكسر . أقرب نقطة صحية في المدينة تبعد عن غرفة شايع ما يقارب 200كم يتزايد الألم على شايع تندب أمه والده من غرفة مجاورة يرد بعبارة ( لا ما عليه هذا العظم يجبر ) يمر اليوم الثاني يخف الألم في النهار ويزيد في الليل ( المجبر حمود ) يسكن في الصحراء ولا يأتي إلا بعد أسبوع فيما يعرف بإسم ( المهباط ) ليفك الجبيرة. المجبر الشعبي حمود في وقته بدرجة استشاري في وقتنا الحالي . يعود المجبر يفك الجبيرة يصيح في الجميع ليه تركتوه يحرك رجله يقصد شايع تراها ما جبرت زين ( ملتويه ) لابد من كسرها وجبرها مرة أخرى الأم تسمع الخبر تنهمر دموعها وتذهب لبيت الجيران حتى لا تسمع صراخ ابنها .ومع شدة الم الجبارة تعبر الابيات الشعرية عن الحالة يصفها في صورة بديعة ضيف الله بن حميد ياونتي ونة كسير الجبارة اليا وقف ما احتال وليا قعد ون آه واجظ قلبي جظت الممروض لا اونس يدين الكاوي.. جظت اللي وطى بالرجل حية ما درى والقدم واطيها ويقول ابو دباس ياونة ونيتها من خوا الراس من لاهب بالكبد مثل السعيره ونين من رجله غدت تقل مقواس ويون تالي الليل يشكي الجبيره أبو شايع يندب الجيران لمساعدته على ابنه ويتعالى الصراخ والعويل تجبر فخذه مرة أخرى وعلى الله يزين جبرها الا ياونتي ونة كسير والعرب مقفين كسير الساق تالي الليل يذرف دمعه الغالي ومع رحيل المجبر في وقت المساء يصيح الصايح الحقونا سعد قرصته حية يهرع الجميع لبيت سعد يتشاور الجميع في علاجه بالطب الشعبي أو نقله للمركز الصحي حيث الدختور مصباح في منزل شعبي وغرفة فيها تفوح رائحة المطهر والبنسلين . احدهم يقول ياجماعة الولد بيموت مابعد وصل التختور خلونا نفتح مكان القرصة بسكين ونمص السم هم ننقلة . رأي زين عبارة يرددها حضور الحالة تتعالى الأصوات امسك الولد لحظات وتتم العملية بدون بنج ويسيل الدم مع السم . علاج القريص بالفصد والسامري حتى لاينام والزائدة بالنفذة وحال شاعر الموقف عندما شاهد تأثير السم على القريص قال: أنا البارحة ونيت ونة قريص الداب قريص سعره السم والروح يجذبها خلال ليلة القريص يمنع من النوم بحجة ان السم يسير مع الجسم بسرعة في حالة النوم ومن هذا الاعتقاد تقام سهرة سامري عنده ومخاطبته باستمرار واشعاره بالحيوية حتى لايتسلل النعاس الى عينه السيارة وفي النهار يستعد الجميع لنقله لاقرب نقطة صحية. الهاف اللي بينقل عليها سعد ما اشتغلت يتم اصلاحها بعد ساعه ينقل سعد أو مايعرف بالقريص الى التختور (مصباح ) يصل وفد الجماعة واكثرهم راكب فالصندوق . يباشر التختور مصباح الحالة ويعطيه أبره ضد السم وهو بين الحياة والموت وطيت انا الداب وانيابه مشاويك والله وقاني من اسباب المنيه يارجل لو هو مصيبك وين اوديك ودواك يم الحساء عسر عليه غرفة الكي بالنار تعادل المستشفيات التخصصية ومواقف اقرب للكوميديا عند علاج المرضى النفسيين يذهب بعض افراد الوفد المسعف للتسوق وشراء ما يحتاج والبعض يقوم بزيارة اقاربه مستغلين وقت شفاء سعد ثم العودة الى الديرة . وفي الصحراء يصاب صنهات بالتهاب الزائدة لايعرفون من حوله ماهو مرضه والبعض يرتجل اسم للمرض ويشير عليهم بالمعالج الشعبي المناسب يذهب بعض الرجال لطلب (هزاع) متخصص في ( النفذة ) وهي حكر مكان الألم ونفذه بأبرة حديد حتى يخرج ما بها من دم وصديد وبعدها يعطيهم الارشادات الطبية ومنها لايقرب المرأة لاياكل لحم الأناثي من المواشي لا يتروش ياخذ من العشبة ويشرب ماها لمدة سبعة ايام مع طلوع الفجر حموة اربعين يوم وبعد التوصيات يرحل ويطلب مراجعتهم به بعد عشر ليال وبعد يومين يحدث تسمم في موقع النفذة ويموت صنهات في غياب القدرات الصحية والتي تعد حاليا من ابسط العمليات . بعض عيال القرية سبحوا في بركة المزرعة مكشوفة للشمس اصيب البعض منهم بمرض غريب حرارة عالية وخمول في الايام الاولى بعدها شبه غيبوبة انهم يعرفون المرض يسمونه ( العضة ) علاجه اربع كويات ثنتين على الصدر وثنتين على الظهر يعرق المريض ويغطيه المعالج ببطانية حتى يظهر العرق ويومين ويشفى يقول الشاعر علي الحارثي ياونتي ونة مريض ومحموم امسى عليه الليل والصوت ونات وفي إحدى القرى اشتهر سعيدان بالكي يعالج الفالج والركب والصرع والصداع واوخية الورعان وام الصبيان وجميع الامراض لايمنعه عنها سوى المسافة بين سيخ الحديد الأحمر من النار وجسد المريض. وكاني با لمريض يردد قول خالد الفيصل كنّي المبلي اللي قطّعته المكاوي كل ماجظ بالونّات زادوه كيّه او قول ابن شريم آه وا جظ قلبي جظت الممروض لا اونس يدين الكاوي جظت اللي وطى بالرجل حية ما درى والقدم واطيها سعيدان دايم اسياخه وسط الجمر ويعالج مايقارب عشرين حالة في اليوم بالكي البعض منهم قطع مسافات طويلة للوصول اليه يعادل في وقته مستشفى تخصصي ومن المواقف الطريفه.. في احدى المرات قام بكوي مريض بقيمة نصف ريال ولكن المريض معه ريال قال سعيدان وش رايك اعطيك بدال النصف الثاني كيتين ونخلص لكن المريض هرب وترك النصف الباقي له . وفي العيادة اللي كلها دخان وريحة الجلد وهو تشويه اسياخ النار يأتي مريض مربط بحبال وجماعته يهدونه وعند وصولهم عند مدخل غرفة الكي طرحوه ارضا وقالوا هذا عنده شعاف يبيله علاج وعلى الفور يقرر المعالج بأنه يبي له عراقي على الراس والعراقي بفتح العين كوية على الرأس بخطين متقاطعين ومع تصاعد رائحة شعر المشعوف تهدى الحالة ويطالبهم بنقله وتغطيته والمراجعة بعد اسبوع بعد ان وضع مسحوق (السعوط) في أنفه . كم كانت الحالة الاستشفائية متعبة ومزرية للمرضى في تلك الحقبة ولكن لسان الحال يقول الجود من الموجود وكم كانت تلك الطرق التقليدية تعالج حالات تعد في وقتنا الحالي حالة طوارئ . جميل ذلك العصر برجالة وطبه الشعبي والامراض كانت محددة والشفاء من الله ماهو من طبيب والا دواء