يا ونتي ونة ثلاثة مفاريد وثلاث محّالٍ وسبعة ذيابة وثلاث خلجٍ كل أبوهن مواليد وحمامتين وثالثتهن ربابة في البيتين السابقين جمع سعيدان بن مساعد (مطوع نفي) الأصوات التي تثير الأشجان وتبعث الأحزان في عالم الصحراء حتى استعارها الشعراء في تصوير حنينهم وأنينهم عندما يضيق وجدانهم بهموم الفراق وآلام الثكل، ولكن تظل صورة (الخلوج) هي المشهد الأكثر حضوراً وتأثيراً في الثقافة الشعبية في الجزيرة العربية نظراً لارتباط أهلها بالإبل ومعايشتهم لها وتعاملهم معها عن قرب وحب أيضاً. والخلوج هي الناقة التي فقدت ولدها فهي لا تلوي على شيء ولا يقر لها قرار وتظل تحن حنين المفجوع وترزم إرزام الموجوع حتى تقلق من حولها، إن أحاسيس الخلوج الظاهرة وتعابيرها الصوتية والحركية عن الحزن هي أحاسيس وتعابير صادقة لأم ثكلت في ولدها وعلى الرغم من كونها حيوان لا ينطق إلا أنها أجبرت الإنسان على استلهام صورتها للتعبير عن أحاسيسه وكأنها يريد أن يقدمها برهاناً على صدق شعوره. فمن (خلوج العوني) تلك الخلوج/القصيدة التي دخلت التاريخ عندما بعثت حنين الرجال لأوطانهم فساقتهم إليها ومطلعها الشهير: خلوج تجذ الصوت بأتلى عوالها تكسّر بعبراتٍ تحطم سلالها تهيض مفجوع الضمير بحسّها إلى طوّحت حسّه تزايد هجالها ومروراً ب(خلوج ابن رومي) التي ضرب بها المثل عندما تفتت كبدها جزعاً ولوعة على أولادها حتى قال الشاعر: يا ونةٍ ونيتها يابن نصّار ما ونّها مثلي خلوج ابن رومي كني من الفرقا على كير بيطار شبوبة أرطى والستاذ مهمومِ وتعريجاً على (خلوج الهبيدا) التي أثارت أشجان مرشد البذال وذكرته بفقد ابنه إذ يقول: (خلوج الهبيدا) جروعت في حنينها تزفر بعبرات تبيّح كنينها تجر عالي الصوت مما لجا بها وهي في مراح حوارها عاقلينها إن لوحشة الفراق ولوعة الثكل وألم الغياب سطوة في ضمير الخلوج تلامس وجدان الإنسان ولو سلطت على مشاهد معاناتها الكاميرات السينمائية والتلفزيونية لأصبحت سفير الحزن العربي إلى العالم، في حين لا زال ابن الجزيرة يعتبرها النموذج الأصدق لتصوير المعاناة بل يجدها الصورة الأبلغ للحزن إلى اليوم فإذا كان الشاعر متصل بالإبل وخبير في وصفها كالشاعر الكبير عبدالله بن عون فإن للقصيدة أثر عظيم في النفوس الشجية إذ يقول : لجتي لجة خلوجٍ تحنّس بالمراح تندفع وتعود لاتلى العهد بحوارها حنجةٍ في حروته ما تبي عنها مراح ولا لها من حيلة إلا هميل عبارها من غروب الشمس لين انبلج نور الصباح ما امرحت من ما هجدها ولا امرح جارها جارها يوم أذن الفجر صلّى واستراح وهي على ما صابها واصلت مشوارها وجدها بالمثل وجدي على ظبي البراح درّةٍ وسط البحر مفلسٍ بحّارها العشير اللي بعد راح معه القلب راح وافترق شمل الأحبّة بدون خيارها يا عذولي كفّ عذلك وكفّ الاقتراح ما اقدر اسكن في ديارٍ ماهيب ديارها لو شوتني نارها لين تنجحني نجاح أبرك الحزّات يوم احترق في نارها