جاء نظام الإجراءات الجزائية الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/39 وتاريخ 28/7/1422ه لتأكيد حق حرية التنقل لأفراد المجتمع كافة بحرية تامة، كما حظر النظام من المساس بهذه الحرية إلا بحق، فلا يجوز التعرض لها ولا الحد منها في صور محددة بينها النظام، حيث تضمن نظام الإجراءات الجزائية العديدة من المواد التي تؤكد هذه الحرية وتحظر المساس بها إلا بحق، فلقد جاء في المادة الثانية من النظام ما نصه: «لا يجوز القبض على أي إنسان أو تفتيشه أو توقيفه أو سجنه إلا في الأحوال المنصوص عليها نظاماً». فلا يجوز تقييد تصرفات أي فرد من أفراد المجتمع أو توقيفه؛ إلا بموجب النظام، وبما أن الحبس الاحتياطي يعتبر من أهم الإجراءات التي فيها تعد على حرية التنقل فسوف نخصه بمزيد من التفاصيل، فنقول وبالله التوفيق: تعريفه: الحبس الاحتياطي: إجراء وقائي احتياطي لا بد منه؛ منعاً لهرب المظنون فيه، وضياع الحقوق، وهو أيضاً تضييق لدائرة الجريمة، وإمساك بأسبابها، ومحاولة للتوصل إلى الجاني الحقيقي حتى ينال جزاءه. شروط صحة الحبس الاحتياطي «التوقيف»: يشترط لصحة التوقيف الشروط التالية: 1 - أن يكون المتهم قد استجوب، وعلة ذلك أن هذا الأمر تقديري للمحقق، ومن ثم تعين أن يستمع إلى المتهم كي تتجمع لديه عناصر تقدير ملاءمة هذا الأمر، بخلاف إذا كان المتهم في حالة هروب؛ فيجوز الأمر بتوقيفه دون استجواب. 2 - أن تكون الجريمة من الجرائم الكبيرة الموجبة للتوقيف الاحتياطي، وقد ثبتت عند المحقق بأدلة كافية، والجرائم الكبيرة هي الجرائم التي صدرت من وزير الداخلية بناءً على توصية رئيس هيئة التحقيق والادعاء العام - بالقرار الوزاري رقم 1245 وتاريخ 23/7/1423ه. 3 - أن يكون أمر التوقيف مسبباً أي أن يُثبت المحقق أن ثمة دلائل كافية تشير إلى نسبة الجريمة إلى المجرم، وأن يُبيّن العناصر التي استخلص منها توافر الدلائل الكافية المبررة لتوقيف المتهم. كما أنه لا يجوز توقيف الأحداث دون سن الخامسة عشرة إلا في الجرائم الكبيرة الموجبة للتوقيف، وبأمر من المحقق، ومصادقة رئيس الدائرة على ذلك، ولا يجوز توقيف مَنْ هم دون سن الحادية عشرة مطلقاً. مدة الحبس الاحتياطي والسلطة المختصة بذلك: تضمن نظام الإجراءات الجزائية في المملكة العربية السعودية النص على مشروعية الحبس الاحتياطي، وتحديد مدته، والسلطة التي لها الحق فيه، وذلك على النحو التالي: أولاً: التوقيف مدة لا تزيد على أربع وعشرين ساعة. وهذا يكون في حق المتهم المقبوض عليه إذا تعذر استجوابه فوراً. ويكون الحق في هذا التوقيف وهذه المدة للمحقق التابع لهيئة التحقيق والادعاء العام. ثانياً: التوقيف لمدة لا تزيد على خمسة أيام من قبل المحقق أيضاً، ويكون هذا في الحالات التالية: أ - إذا تبيّن بعد استجواب المتهم أو في حالة هروبه؛ أن الأدلة كافية ضده في جريمة كبيرة. ب - إذا كانت مصلحة التحقيق تستوجب توقيفه لمنعه من الهرب، أو من التأثير في سير التحقيق. ثالثاً: تمديد مدة التوقيف أكثر من خمسة أيام مدة أو مدداً متعاقبة لا تزيد في مجموعها على أربعين يوماً من تاريخ القبض على المتهم، ويملك سلطة التوقيف هذه المدة رئيس فرع هيئة التحقيق والادعاء العام بالمنطقة. وهذا في حالة إذا رأى المحقق أن الخمسة أيام الأولى لا تكفي ويطلب تمديد مدة التوقيف، ففي هذه الحالة يجب على المحقق أن يقوم بعرض الأوراق قبل انقضاء الخمسة أيام الأولى على رئيس الفرع ليأمر بتحديد المدة، أو يأمر بالإفراج عن المتهم. رابعاً: التوقيف مدة أو مدداً متعاقبة لا تزيد في أي منها على ثلاثين يوماً، ولا يزيد مجموعها على ستة أشهر من تاريخ القبض على المتهم، والذي يملك سلطة. الآمر بالتوقيف في هذه المدة هو الرئيس العام لهيئة التحقيق والادعاء العام في المملكة، بحيث يتم رفع القضية له ليصدر أمره بذلك، وبعد هذه المدة - التي هي ستة أشهر - يتعيَّن مباشرة إحالته للمحكمة المختصة أو الإفراج عنه. خامساً: التوقيف لمدة لا تزيد على سبعة أيام، يجوز تجديدها مدداً مماثلة لا تتجاوز في مجموعها واحداً وعشرين يوماً. ويجوز تجديدها مدداً مماثلة بقرار آخر، والحق في هذا التوقيف القاضي الذي أحيل إليه المتهم (3). وبهذا تميز نظام الإجراءات الجزائية في المملكة العربية السعودية بتوافقه مع تعاليم الشريعة السمحة التي حفظت للإنسان - أياً كانت جنسيته أو ديانته - حقوقه في التنقل والتحرك وأحاطت الاعتداء على هذا الحق بضمانات كثيرة، لا يجوز تعديها أو التجاوز فيها بحال من الأحوال؛ يتضح ذلك جلياً من خلال ما استعرضناه آنفاً من كون الحبس الاحتياطي من اختصاص سلطة التحقيق فقط (هيئة التحقيق والادعاء العام) ولا يجوز الخروج على هذا الأصل اطلاقاً؛ لكون إجراءات التحقيق من الأمور التي فيها المساس بحقوق الناس وحرياتهم، وهي محاطة بضمانات كافية رآها الشارع في سلطة التحقيق، ولكي تكون الرقابة متوفرة على أعمال التحقيق. حيث حظر نظام الإجراءات الجزائية في المملكة العربية السعودية على رجل الضبط الجنائي القيام بهذا الإجراء حتى في حالة الندب؛ ضماناً لحرية المتهمين من المساس بها، ولأن الحبس الاحتياطي يتعين أن يكون مسبوقاً باستجواب المتهم ولا يحق لرجل الضبط الجنائي القيام بالاستجواب فما يترتب عليه كذلك، فضلاً على أن الحبس الاحتياطي ليس فيه عنصر من عناصر الاستعجال التي تبرر الندب. ثم إن النظام إذا كان قد حظر على رجل الضبط الجنائي حبس المتهم احتياطاً في حالة التلبس التي تكون فيها مظنة الخطأ منتفية أو ضعيفة والأدلة ظاهرة فمن باب أولى أن يُحرم من هذا الحق في حالة الندب.