منذ إعلان رحيل الكاتب عابد خزندار.. ضجّت وكالات الأنباء ومواقع التواصل الاجتماعي بعبارات النعي والتأبين ومصالحة الفجيعة بتذاكر سيرة الراحل الكبير وآثاره ومنجزاته الثقافية. قدم خزندار للمشهد الثقافي الكثير من عطاءاته الفكرية والنقدية والأدبية حيث واكب فترة الحداثة في السعودية وكان يرى – رحمه الله- أن الحداثة ولدت بعد أن ماتت في الغرب ولهذا لم يقدر لها أن تعيش وكان من أوائل من بشروا بميلاد ما بعد الحداثة. آمن خزندار أن النقد الثقافي لم يكن جديدا بل كان نقدا قديما ومتجذرا في تاريخنا العربي، واعتبر البخلاء للجاحظ أول ناقد ثقافي نقد العادات الاجتماعية السائدة في عصره وجد خزندار نفسه ينجر إلى الكتابة الاجتماعية اليومية وكسب ثقة القراء في أن يكون أمينا معهم ويقترب أكثر من همومهم .. في هذه السطور نقف مع حضور خزندار -رحمه الله- في ذاكرة القارئ والمثقف قبل رحيله وبعده .. عابد خزندار مفكراً ومبدعاً وكاتباً يشكّل هذا الكتاب لمحمد القشعمي الصادر عن مؤسسة الانتشار العربي (2013)م سيرة حياة المفكر السعودي المبدع (عابد خزندار) وفيه يسلّط الباحث الضوء على إبداعاته من خلال التوقف عند محطات من عطائه الصحفي والأدبي مبتدئاً بمقتطفات من سيرته كما يراه هو "القامة المعطاء، الرجل الذي لا يأبه لمصلحة شخصية، ولا يسعى إلى مجد يستحقه، ولا يهمه غنى أو جاه أو مناصب كما يفعل غيره، إنه عابد خزندار، الجندي المعلوم المجهول الذي ساهم في بناء هذا الوطن منذ نعومة أظفاره " إلى ذلك يتناول القشعمي بدايات خزندار مع الكتابة ثم ينتقل إلى أحاديثه الصحفية فنماذج من كتاباته في رثائه لوالده ورفاق دربه، إلى جانب إيراد ما قيل عن خزندار في مناسبات كرّم من خلالها، وما كُتب عنه في مختلف إبداعاته، وأخيراً تناول القشعمي مشروع التنوير عند خزندار وأورد نماذج من كتاباته في الشأن العام من خلال زاويته المعروفة (نثار)، بالإضافة إلى (ثلاث رسائل) إلى عابد خزندار كتبها صديقه "زكي عباس الخنيزي"، ثم إطلالة على الصفحة النسائية باليمامة ودور "شمس خزندار" زوجة الراحل في تحريرها، والتي كانت الشرارة الأولى التي أتاحت للمرأة السعودية الكتابة باسمها الصريح في الصحافة المحلية. وحول زوجته تحديدا ورحيلها عنه منذ عام ونصف تقريبا كان خزندار قد كتب عنها في زاويته نثار بصحيفة الرياض مقالة بعنوان " وإن رحيلاً واحداً" جاء فيه : "كذا قضى الله أن تتوفى زوجتي الشريفة شمس أحمد الحسيني عن اثنين وسبعين عاما بعد أن عانت من مرض عضال، ولمن لا يعرفها فقد كانت أول محررة سعودية لصفحة المرأة، وكان ذلك في صحيفة الرياض في بداية تأسيسها، ثم تفرغت بعد ذلك لتكون عمري الثاني، والذي أصبح مفقودا الآن". وفي حوار متأخر مع الزميلة عبير البراهيم بجريدة الرياض: "وأنا أتلفت حولي فأجد أنني فقدت الزوجة التي شاركتني في الجزء الأكبر من عمري، وكنت أقول لها دائما هذا البيت: لعمرك ما أدري وإنّي لأوجل ... على أينا تأتي المنية أول وفعلا لم أكن أدري،، ولكن شاء الله أن تسبقني إلى الدار الآخرة مع أنني الأكبر سنا والأكثر أمراضا، ولكن لكل واحد أجله ولكل أجل كتاب" *** فيما قال الدكتور محمد عبده يماني - رحمه الله- عنه منذ أعوام: "الأستاذ الأديب الناقد عابد خزندار قيمة أدبية لم تكتشف ولم تسلط عليها أضواء بصورة تعطيها حقها في الدراسة والتقييم، لأنه في رأيي رجل مبدع نهل من ثقافتين، وتكلم وكتب بأكثر من لغة، فهو ممن يستحقون الوقوف عند عطائهم والتعمق في فكرهم وأدبهم. وقد شكرت الجزيرة لدعوتي للمشاركة في الحديث عنه فالأستاذ عابد خزندار واحد من القلة من الكتاب الذين أسسوا لأنفسهم قاعدة عريضة من الثقافتين العربية الإسلامية والغربية، وبعد أن تمكن من إرساء هذه القاعدة المبنية على أسس سليمة، أخذت كتاباته تحتل موقعا في الصحافة المكتوبة، ونلمس عند الكاتب والناقد والأديب الخزندار توجها لمعرفة النقد الغربي الحديث ومدارسه المتعددة من كلاسيكية ورومانسية ورمزية ولسانية، ثم محاولة نقل هذه المفاهيم النقدية الغربية الى الثقافة العربية والمحلية " أما الكاتب والروائي محمود تراوري فقال: "لا يكتب عابد خزندار نثره بشكل تقليدي، فهو ومذ عرفته الساحة قبل أكثر من أربعة عقود، يجنح لتحطيم البنية السردية، بتقاطعات وإحالات مستمرة بما يفضي إلى أن "مخيلة القارئ تكمل مخيلة الكاتب". في حين تلقى الكاتب خلف الحربي نبأ رحيله في صفحته بتويتر قائلا: "الله يرحمه ويغفر له ولموتى المسلمين .. كان كاتبا وأديبا وناقدا وبحرا من ثقافة الفكر والرقي بالكلمة والحرف".. كما غرّد الروائي فارس الهمزاني ناعياً:" رحمه الله .. عاش في باريس ومع هذا لا يكتب إلا عن هموم وطنه ..". وفي تويتر أيضا كان الراحل خزندار يغرّد قائلا : أتذكر زوجتي الراحلة وأردد هذا البيت : وقد نكون وما يخشى تفرّقنا فاليوم نحن وما يرجى تلاقينا رحم الله الكاتب والروائي والمفكّر عابد خزندار ولانملك بعد رحيله إلا أن نردّد: يا من يعزّ علينا أن نفارقهم وجداننا كل شيء بعدكم عدمُ