قرار الساعة التاسعة نقلنا إلى مصاف الدول المتقدمة نتسوق في النهار ونعود إلى بيوتنا مبكراً وننام ليلاً كالشعوب المتقدمة حضارياً. أبارك هذا القرارالحكيم والذي أتى متأخراً وما أنبه المتعلم بكفاية التنفيذ والتحرر من الحياة الراكدة التي تخلو من التغيير وتكتظ بالسلبية، فكيف يمكن أن نحقق الفائدة دون الانفتاح وكونية الإنسان. ما من شك أن قبول القرار وتطبيقه في بداية عهده يتنكر لواقعه الكثير ويُنظر إليه بعين الناقد والساخط ولكن سرعان ما يتقبله الجميع على مضض إلى أن يصبح أمراً مألوفاً ذا أبعاد مقبوله اجتماعياً، وبذلك يُعالج الخلل الذي يبقي أطفالنا سهارى إلى ما بعد منتصف الليل وقد نكون الدولة الوحيدة في العالم التي ينام أطفالها في وقت متأخر، ويأتي ذلك على حساب التحصيل العلمي والاستيعاب المعرفي وتراجع دور الفرد في الإنتاج والمواظبة في العمل والمدرسة والجامعة. ومن المفارقات التي يشاهدها الناس وأصبحت خصوصية غريبة تنذر بالفوضى تجول الأسر وأطفالهم في الأسواق إلى الساعة الحادية عشرة في الليل، أضف عليها ساعة على أقل تقدير للعودة للمنزل وساعاتين للاستعداد للنوم وخاصة الصغار وطلاب وطالبات المدارس. والتقديرالأنسب هو تطبيق القرار لأن المهارات المنجزة في حياة الإنسان أساسها شواهد الواقع ومنهجيته، ومساعدة الفرد على قبول الأفضل والأسمى ليكشف له أسباب التأثير المباشر دون تفكير ويقلل من شأن اعتراضه على أمور نفعية تخصه بالدرجة الأولى. قد يكون التوازن بين العرض والطلب ينم عن إرادة قوية تتخطى الصراعات الاقتصادية بين المؤيدين والمعارضين لقرار إغلاق الأسواق الساعة التاسعة والتي تعطي بعداً لهيمنة التقنية التي دشنت عهداً جديداً من الحداثة وثورة رقمية كبيرة اعتمدت عليها التجارة وجميع معطيات العصر. وأكد وزير العمل ومعظم الاقتصاديين أن قرار إغلاق المحلات عند الساعة التاسعة مساء سينعكس إيجاباً من نواحٍ عديدة أهمها التوطين ويحد من التسرب الوظيفي، وهذا سبب غير مقنع للمجتمع مقارنة بالأسباب الجوهرية التي تحدث تغييراً إيجابياً في حياة المجتمع أهمها تنظيم الوقت والنوم المبكر ونستنبط منه الاستقرارالنفسي وتشكيل الحياة الاجتماعية من جديد كحركة ترتبط جوهرياً بالزمن، وقال الله عز وجل في كتابه الكريم:(وهو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصراً إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون..الآية). ويبدو من هذا المنظور أن النجاح الذي تحقق للعالم من خلال تحديد مواعيد الإغلاق المبكر للأسواق في أوروبا وكندا وأمريكا مشهود وساهم في تنظيم الطاقة المهدرة وشؤون الحياة الأسرية اليومية وتحديد العلاقة بين البيع والشراء وبالأصح بين التاجر والمستهلك باستثناء المتاجر التي تعمل على مدار اليوم بما فيها الصيدليات بتراخيص استثنائية فقد كانت دراسة إيجابية تستحق التطبيق والتنفيذ ولو أخذنا مثالاً حياً في أوروبا الشرقية وبالتحديد التشيك إغلاق الأسواق في التاسعة والمطاعم في الحادية عشرة مساء ومعها تُغلق حركة الشوارع والأنوار الخارجية للبيوت باستثناء دور السينما. وقد أستلهم من هذا القرار الذي صرح به وزيرالعمل أنه قد رُتب الأمر بما يتيح للمجتمع رؤى جديدة متطورة في سوق العمل تكفل للفرد حظاً أوفر ومستقبلاً مشرقاً، فمهما كثر الجدل في الشارع لا يلبث أن ينتهي وتخلد العقول للراحة بعد نقاش لن يستمر طويلاً. وتكمن أهمية الجديد في التحول من شكل عشوائي ملتبس إلى كينونة ساكنة منظمة أحدثته المتغيرات والمستجدات في الحقب الماضية، إننا أمام علاقة نموذجية مع الوقت ستبدأ بالتدرج تعيد الأشياء إلى نصابها لكي تشعر الناس بالغبطة فكل شعور منبعه العقل يكون فعالاً.