عبدالله علي المسيان فعلاً.. لقد أصبح الشّعب السعودي برجاله ونسائه وأطفاله صديقاً حميماً للسّهر إلى ساعة مُتأخرة من الليل، بل وأصبح النوم المُبكر من علامات التخلّف والجهل والسّير عكس التّطور! بل أصبح الشخص الذي ينام مبكراً يُوصف بأنه «دجاجة» لكون الدّجاج ينام مُبكراً! أو شيخاً طاعناً في السِّن. ولم يعد السّهر مُقتصراً على أيام الإجازات كما كان سابقاً، بل أصبح سلوكاً يومياً، ولكل أفراد الأسرة، ولك أن تخرج إلى الشّارع من بعد السّاعة العاشرة إلى الحادية والثانية عشرة ليلاً لتجد الشّوارع مُزدحمة بالسيَّارات، والمُجمعات التجارية مُكتظة بالناس، وقس على ذلك الدّكاكين والمطاعم والمقاهي والاستراحات والدّيوانيات والبُيوت. وكأن الطلاب ليس عندهم مدارس ولاحصص ولا جامعات ولا مُحاضرات تتطلب منهم النوم المبكر، ليكونوا في نشاطهم وحيويتهم عندما يستيقظون من النوم، وكأن الموظفين ليس عندهم وظائف يذهبون إليها في الصَّباح، فيذهب الطلاب إلى مدارسهم أو إلى جامعتهم، والموظفون إلى وظائفهم وهم كسالى وأعينهم «مطفأة» من عدم النوم! ولا يستطيعون فتحها إلا بصعوبة شديدة، والسّهر كما هو معروف، مُضر بالصّحة للأطفال وللكبار، فهو أولاً تغيير وتبديل للنظام الذي صنعه الله، فالنهار يجب أن يكون للعمل والكفاح والليل للرّاحة والنوم. ولو سألت أي طبيب، أو بحثت على الإنترنت، أو قرأت المجلات الطبيّة والدراسات الحديثة أو شاهدت البرامج التلفزيونية التي تعتني بصحة الإنسان، لعرفت أن السّهر يُسبب مشاكل صحية هائلة، مثل تعطيل «هرمون النمو» في الجسم، واحمرار العينين، والصّداع، والغثيان، والتوتر العصبي، وسرعة الغضب، وضعف الجسم، وقلّة التركيز، وهذا مُلاحظ عند الطّلبة، وقلّة الإنتاجية ، وهذا مُلاحظ عند الموظفين. وتتحمّل الأسواق والدّكاكين والمطاعم والمقاهي جزءاً من المشكلة؛ لأنها تظل مفتوحة لساعات مُتأخرة ولو كانت هذه المحلات والدكاكين والمطاعم والمقاهي تُقفل أبوابها مُبكراً لما وجد الناس أماكن يذهبون إليها، فنتمكن عندئذٍ من إجبار مجموعة كبيرة من الناس على الذهاب إلى فُرشهم من أجل النوم، ويبقى عدد قليل سيسهر في البيت أو الاستراحات على الإنترنت والتليفزيون ولعب البلوت، ولكننا على الأقل سنُخفّض نسبة السّاهرين إلى النّصف تقريباً. كما أن للكهرباء والأجهزة المُتطوّرة التي بأيدينا دوراً كبيراً في جعلنا نُحب السّهر، ولذلك كان أجدادنا ينامون مُبكراً؛ لأنهم لا يملكون الكهرباء، ويعتمدون على الفوانيس، وليس لديهم «نت» أو قنوات تلفزيونيّة. ولو رُحت إلى أي بلد مُتطوّر في هذا العالم لوجدت أنّ من أهم أسباب تقدمه هو رفض شعبه للسّهر وذهابهم إلى الراحة والنوم في وقت مُبكر من الليل، باستثناء عطلة نهاية الأسبوع «الويك إند» فبالنوم المبكر تتطوّر الدّول وليس بالسّهر والتسكع في الشّوارع.