في جدة وحدها لليوم بدايتان، أولاهما مثل بقية مدن الدنيا، والثانية عندما يخرج الناس من صلاة العشاء، أولاهما قديمة قِدم التاريخ، والثانية قِدم جدة ومجالسها وصالوناتها، لكن قرار «التاسعة مساء» رمى في «العيون» التي اعتادت السهر «قلقاً» من نوع آخر، من أن تنتهي قصة مديدة عمرها بعمر «الدكة» و«المركاز» الشامخَين في شوارع المدينة القديمة. منذ أن انتشر الحديث بين الناس عن قرار الساعة التاسعة مساء، وتناقلته «السهرات الجداوية»، وأهل «العروس» لا يتخيلون مدينتهم خالية من السمر في المقاهي والبيع والشراء في الأسواق وسهرات الكورنيش الكلاسيكية. أحمد الشريف أحد سكان جدة يرى أن القرار لم يراع التقلبات الفصلية واختلافها من مدينة لأخرى، وقصر الليل في فصل الصيف وطوله شتاء، وتحديد ساعات خروج الناس بحسب الأجواء التي غالباً ما تكون قاسية نهاراً. يقول: «يجب مراعاة اختلاف الساعة التاسعة صيفاً عن الشتاء، إذ تكون بعد ساعتين من غروب الشمس في الصيف، بينما هي بعد أربع ساعات في الشتاء، وهو ما يعني أن الإغلاق سيتم في الصيف قبل صلاة العشاء في جدة مثلاً إذا طبق القرار!». وبدت تساؤلات حائرة في عينيه اللتين لا تنامان، طرح أحدها بقوله: «كيف يسمح للظلام باجتياح شارع «قابل» مثلاً؟»، ويتبع بسؤال آخر: «هل ستختفي تشريعة لمبات المركاز التي تلغى فيها الطبقية، ويجتمع فيه فئات المجتمع في جو أسري، اعتيد على البدء في طقوسه بعد صلاة العشاء في سهرة تمتد حتى ساعات الصباح الأولى؟». وأبدت خلود باصالح امتعاضها من كون المواصلات والزحام وبُعد المسافات في مدينة مساحتها تزيد على 1765 كيلومتر مربع ليست عوامل مساعدة في مثل هذا القرار، ويجب أخذ هذه التفاصيل بالاعتبار، وتضيف: «أهالي جدة اعتادوا على الخروج للتسوق في الليل الذي يعتبر الوقت المثالي لقضاء المشاوير». إلا أن إجابة أبوفيصل الغامدي بدت إيجابية تجاه القرار: «ففيه الحدّ من خروج النساء، وبقائهم لساعات متأخرة في الأسواق، كما سينظم عملية الخروج والتسوق». كل ما يمكن استشفافه من «سهارى جدة» بعد أن أرّق القرار صباحاتهم، أنهم حائرون بين تصديق الخبر، وكيف سيتكيفون مع الواقع الجديد الذي إن وقع فسيغير شكل مدينتهم التي لا تنام، طوال أيام الأسبوع. لكن ستبقى تلك المرونة التي ميزت سكان العروس «حاضرة» إلى جانب القدرة على التجدد والتفاعل مع أي نظام أو قرار بعيداً عن تشعبات الحياة «الجداوية»، فنمط الحياة فيها يبقى قائماً على مزيج من البساطة والجدية والانفتاح بأسلوب متجذر في النسيج الثقافي لأهلها، فهل سيوقف «قرار التاسعة» امتداد التراث الجداوي؟