من المقولات الخالدة لأمي رحمها الله: إن من أراد الله به شراً أشغله عن عيوبه بعيوب الناس، وفي الحقيقة ان من راقب الناس مات هماً وكمداً، ومع أننا نعرف ذلك ونعرف أيضاً أن عيوب الناس كثيرة ولن تنتهي، ونعرف أيضاً أن نقد العيوب التي نشاهدها من الآخرين لن تتوقف متى ماسمحنا بها تجري في نفوسنا وعلى ألسنتنا، بل حتى مجالسنا أصبحت مملة وسخيفة نبدأ فيها بنقد فلانة وننتهي منها بنقد فلان، حتى أصبحت نفوسنا لا تتفكه ولا تستلذ المجالس إلا بهذه الغيبة المغلفة، والأسوأ من ذلك أننا من كثرة التعييب على الآخرين وتنقصهم أصبحت لدينا ثقة قوية بالأنا الكاملة لدينا، حتى يخيل لأحدنا بأنه أكمل الموجودين وأقلهم عيوباً وخطأً، ومتى ماوصلت النفس البشرية إلى هذه الشوفونية الذاتية فهي بلا شك دخلت مرحلة المرض الذي لابد أن تتشافى منه بسرعة قبل أن تترسخ لديها هذه الكذبة المضحكة، وإلا فمنذ متى خلا البشر من العيوب والنقائص والهفوات. ومن أسوأ ما ينتجه هذا النقد والتعييب على الآخرين والذي اتفقنا من قبل بانه غيبة مغلفة بألوان زاهية كالنية الطيبة والرغبة في الإصلاح أو معرفة قدر النعمة التي نحن فيها مقارنة بغيرنا إلى غير ذلك من الحيل الشيطانية التي نحن نعرف في دواخلنا انها تبريرات كاذبة لاستباحة حمى الغيبة، أقول ومن أسوأ نتائجها انها بالفعل تشغل الشخص فيما لا ينفعه ديناً ولا دنيا، وأعظم من ذلك انها تشغله عن نفسه وعن إصلاح عيوبه وتقويم ذاته، وهل بعد هذا خسران مبين؟! من كانت همته عالية وهدفه نبيلاً ونيته صادقة فليبدأ من اليوم، وليتوقف عن الغيبة والتعييب والسخرية من الآخرين، وابعدوا عن كل مجلس يجتمع على الغيبة والنقد، على الأقل حتى يخوضوا في حديث غيره، فالنفس البشرية عندما تترك الغيبة والكلام في الناس فترة من الزمن يصبح لديها رادع قوي عن الخوض في أعراض الناس وعيوبهم، فأعطِ نفسك هذا الوقت من التدريب النفسي ومحاولة إسكات من يتحدث معك في الآخرين بالحسنى والأسلوب الحسن، وسوف ترى أثر هذا الانقطاع الزمني عن الغيبة في انعتاقك من إدمان هذه الخصلة السيئة، جرب ولن تحزن.. وعلى دروب الخير نلتقي.