تحدثت في آخر مقال عن طريقة احتيال تعرف منذ مئة عام باسم "هرم بونزي".. وتشارلز بونزي رجل ايطالي هاجر الى أمريكا واكتشف طريقة في الاحتيال جعلته مليونيرا خلال بضعة أشهر.. وهي طريقة تعتمد على أخذ الأموال (من المستثمرين الجدد) لتوزيعها كأرباح (على المستثمرين السابقين) تحت إغراء الربح السريع. وكان بونزي قد حقق قبل ذلك أرباحا مجزية من بيع الطوابع البريدية بين أوروبا وأمريكا.. ولم تكن هذه الطريقة ممنوعة ولكنه أقنع من حوله بالمساهمة معه مقابل منحهم أرباحا خيالية (50% خلال 45 يوما).. وشيئا فشيئا انهالت عليه أموال الناس وترك موضوع الطوابع وأصبح يمنح المشتركين السابقين أرباحا مجزية من أموال المستثمرين الجدد - ويحقق شخصياً مليون ريال يوميا.. وبسرعة ذاع صيته في جميع الولايات فانهالت عليه الأموال لدرجة اشترى بنك هانوفر في بوسطن وأصبح رئيسا تنفيذيا عليه!. ولأنني شرحت (في مقالي الأخير) خطوات الاحتيال في هرم بونزي؛ سأقفز اليوم لاستعراض نماذج حقيقية لهذه العملية عليه حدثت على المستوى المحلي والعربي والعالمي: ففي المدينةالمنورة مثلا ظهر عام 1409 ما عرف ب"جمعية بن رويشد" التي بدأت كجمعية تعاونية صغيرة بين المعلمين.. وبعد أن كانت حكرا على "ثانوية خالد بن الوليد" خرجت للناس وجمعت أكثر من 200 مليون ريال من 7000 عضو. وبالتدريج ارتفع فيها القسط والنصاب حتى قررت منح (مليون ريال) للعضو الذي يدفع 300 ألف ريال مقدما مع قسط شهري 10 آلاف (ليستلم المليون بعد بضعة أشهر).. وهنا تهافت الجميع على جمعية المليون (بما فيهم مسؤولون كبار) حتى عجز القائمون على الجمعية عن استيفاء كافة الطلبات فانهارت ورفعت عليها القضايا! وما جعلني أقدم هذه الجمعية كنموذج (وليس مثلا مساهمات سوا أو المخططات العقارية التي نعرفها كلنا) هو أنها بدأت بنية حسنة ودون ادعاء المتاجرة بأي سلعة - بل وكان المشتركون يعرفون أنها "جمعية" تعطيهم ما تأخذه منهم.. ومع هذا انتهت بضياع أموال الناس ومحاكمة أعضائها بتهمة استلام الأموال وتوزيعها حسب طريقة بونزي! أما على المستوى العربي فهناك بنك الريان في مصر الذي استقطب ملايين الدولارات من آلاف المواطنين البسطاء من خلال وعدهم بأرباح خيالية (لدرجة انخفضت الأرصدة في البنوك الرسمية نفسها).. وفي مايو 2013 شنت المباحث المصرية حملة على 17 شركة تعمل بنظام التسويق الهرمي (في قضية عرفت باسم شركات بونزي) وقبضت على محتالين جمعوا ملايين الجنيهات بهذه الطريقة. وفي عام 2009 احتال خبير إنترنت يدعى هيثم عدنان على عدد هائل من الشباب العربي وتحصل على 20 مليون دولار تحت غطاء المشاركة في الفوركس. أما في تونس فهناك قضية رجل الأعمال عادل الدريدي الذي احتال بطريقة بونزي على المواطنين تحت غطاء شركة يسر للتنمية ثم هرب فجأة للخارج (وسمعت أن السلطات التونسية استعادته عام 2013). أما على مستوى آسيا فهناك شبكة Q-net التي تبيع أدوات تجميلية واستهلاكية من خلال أعضاء ينالون أرباحا اضافية كلما قدموا لها شريكا أو زبونا جديدا.. ورغم أنها شركة مسجلة في هونج كونج إلا أن دولا كثيرة قاضتها ومنعتها من العمل بسبب اعتمادها على نظام التسويق الهرمي. أما أكبر عملية احتيال - حسب طريقة بونزي - فقام بها المصرفي الأمريكي برنارد مادوف الذي كان يدير محفظة استثمارية في سوق الأسهم والسندات الأمريكية.. وبفضل خلفيته الاقتصادية (ومعرفته الجيدة بهرم بونزي) توسع ببطء وعلى مدى عقود بحيث لم يشعر أحد أنه يخلط أرباح محفظته بأموال المستثمرين الجدد.. غير أن اختلافه مع ابنه جعل الأخير يبلغ عنه السلطات فتم القبض عليه (في ديسمبر 2008) وجر خلفه مستثمرين وبنوكا عالمية فقدت بسببه 50 مليار دولار! .. بدون شك؛ وعيك بطريقة الاحتيال الهرمي أول خطوة في الحفاظ على مدخراتك المالية.. لا يجب أن تستسلم لمغريات الربح السريع كون المحتالين يعرفون جيدا أنه (حتى أفقر الناس) لا يترددون في تقديم مدخراتهم البسيطة حين تعدهم بأموال أكثر!.