تآكلت الشيوعية لأن في داخلها ما كان يسعى لتدميرها، رغم العقول الجبارة في مختلف الاختصاصات، لكن فقدان الحرية بأشكالها المختلفة وضعها أمام موقف صعب تجاه الديمقراطيات رغم حلم فلاسفتها وقادتها بالدولة العالمية الاشتراكية التي تسود فيها العدالة.. لم يبق من القلاع الشيوعية الملتزمة بالنهج الماركسي، سوى كوباوفنزويلا وكوريا الشمالية، ولا تعد الصين وفيتنام دولتين تأخذان بالاقتصاد الموجّه الذي يعد في صلب الأيدلوجية الماركسية، ولعل تلك الانهيارات المتتالية التي لحقت بالاتحاد السوفياتي، وفي أوروبا الشرقية وآسيا وأتباع الماركسية في أمريكا اللاتينية وأفريقيا والوطن العربي، لم تأت مجرد صدفة أو انتصاراً للرأسمالية لأن رأسماليات الدول الاشتراكية السابقة تختلف من حيث التشريعات، وإن ظلت تأخذ من الأصل ثقافته وطرقه الإدارية، وإنما هو حتمية التطور البشري.. كوبا التي كادت تشعل حرباً عالمية ثالثة نووية بين القطبين الشيوعي في الاتحاد السوفياتي، وأمريكا أثناء أزمة الصواريخ، هما الآن يسيران على خط جديد رغم وجود كاسترو وأخيه الذي اتبع نهجه وسياسته والمحافظة عليهما، إلا أنه بوجوده جاء الانفتاح على العدو التقليدي الكبير ليواجه تطوراً متسارعاً بالانفتاح على الآخر رغم الحصار الطويل الذي دام عدة عقود، فهل كان هذا مفاجئاً، أم أنه جزء من التحولات الأمريكية الجديدة في فلسفة أوباما الذي يريد إيقاف مسلسل التدخلات العسكرية في الخارج، وإنهاء عصر العداوات والقطيعة ليلتف على الجار الصغير الذي لم يعد له ما يعتمد عليه من معونات إلا فنزويلا والتي تشهد عواصف اقتصادية حادة لم تعد قادرة بالإبقاء على التزاماتها للدولة التي ظلت تعدها خط مواجهة ضد الامبريالية الأمريكية، أم أنه تنازلات كوبية بحكم الواقع وهي التي رأت أن الشيوعية لم يعد لها سوق يروج الأيدلوجيا حيث لم يبق لماوتسي تونج أو لينين، أو هوشي منه، إلا صورهم كرموز تحتفظ بها تلك الدول زمن التحرر الوطني وجزءاً من تاريخ مضى، وكاسترو سيكون على نفس المسار بحكم الواقع والمستقبل؟ صحيح أن كوبا عانت أيام حكومات ما قبل الشيوعية حين تحولت بفضل الهيمنة الأمريكية إلى مجرد اقتصاد تحكمه وتديره الرساميل الخارجية، وأصبحت دار لهو وتفسخ تهيمن عليهما طبقات مشتركة من البرجوازية الداخلية والأموال الخارجية، وبعودة الشيوعية لم تكن أفضل حالاً أي أن النظام الحاد والمبرمج ونفي دور القيمة الفعلية للإنسان وإخضاعه للسلوك الاشتراكي الحاد خلف جيلاً رافضاً بدأ يرى كيف تطورت دول تخلت عن الماركسية، ولذلك كان (راؤول) الحاكم لكوبا الآن والأخ لكاسترو أكثر وعياً في العصر الراهن، وحتى يسعى لتخليص بلده ولو بالتدرج المقبول، رأى أن الجار الكبير هو الأقرب إلى خلق أجواء سلم وتنمية وإنهاء بقايا الحرب الباردة وشعاراتها مع أن أمريكا تبقى العدو الصديق حتى لجيرانها مثل المكسيك لكن الانفتاح عليها يبقى واقعاً فرضياً لأن المستفيد هما طرفا العلاقة، وهي النهايات غير السعيدة لإحدى القلاع الباقية من الماركسية المتطرفة.. لمراسلة الكاتب: [email protected]