عززت الاستراحات العائلية تواجدها في الآونة الأخيرة، وذلك بعد أن تراجع دور بيت العائلة الذي كان يستضيف أفراد الأسرة بالكامل من أبناء وأحفاد وزوجات أبناء، حيث حكمت معطيات الحياة الحديثة على بيت العائلة بالبعد عن موقع الصدارة، بعد أن كانت الأسرة النووية الممتدة من أهم دعامات التلاقي بين أفرادها. وقالت "سلمى الشهراني" –موظفة-:"على الرغم من وجود الفقر قديماً، إلاَّ أنَّ الأسر كانت تعيش كلها في مكان واحد تجمعها الآلفة والمحبة، وتأكل على سفرة واحدة، وتعمل على ترتيب ميزانيتها، وذلك من خلال الأب والأم"، مُضيفةً أنَّ مصروف المنزل كان في يد الوالدين، حيث يعملون على ترتيب الأولويات، موضحةً أنَّ القلوب كانت سرعان ما تنهي خلافاتها وتعود لحالة الصفاء والراحة، أمَّا اليوم فقد تغير المفهوم بما نراه من اتساع المنازل وضيق القلوب. وأضافت أنَّه من النادر أن يجتمع الأبناء جميعهم ببيت العائلة، وذلك لاختلاف مشاغل الحياة، إلى جانب عدم التوافق أحياناً بين الأخوات وزوجات الأخوة، وكذلك كثرة عدد الأبناء، لذلك أصبح الناس يعتمدون على التجمع بالاستراحات في المناسبات العائلية. ذكريات الطفولة وأوضحت "نوال الشهري" –موظفة- أنَّ الأحوال تغيّرت بعد أن مكنت الظروف المادية الصعبة الأبناء من العيش بعيداً عن منزل الأسرة، مُضيفةً أنَّ هناك من أصبح يطالب بالاستقلالية والخصوصية في الحياة، مُشيرةً إلى أنَّ الاستراحات ألغت دور التجمّع الأسري حتى في المناسبات، مؤكدةً على أنَّ بيت العائلة خسر حالة الحنين لذكريات الطفولة ومكان الذكريات، لتحل برودة الاستراحات مكان دفء المنزل الذي جمع الأبناء والآباء والأحفاد. وبيَّنت أنَّ مثل هذه الحالات الاجتماعية من التخلي والابتعاد عن بيت العائلة أمور يجب أن ينتبه إليها الناس، باعتبارها مصدرا للسعادة والعودة إلى ذكريات الأسرة وجلب الفرح بالزيارة وإقامة المناسبات في بيت الأسرة، الذي يضم في كل ركن منه حالات الحنين لذكريات الماضي. يوم الجمعة وأشار "أحمد العوفي" إلى أنَّه اتفق مؤخراً مع ذويه وإخوانه أن يعيدوا ليوم "الجمعة" نكهته الخاصة، من أجل أن يكسروا روتين الحياة ويجتمعوا في منزل العائلة الكبير، ويقضوا أوقاتاً جميلة برفقة الوالدين، مُضيفاً: "اتفقنا على تنظيم رحلة يوم الجمعة لعدد من أماكن التنزّه، إلى جانب العمل على نقل اجتماعنا في يوم الجمعة ما بين منازل أشقائي وبيت العائلة"، موضحاً أنَّ لديه قناعة أنَّ بيت العائلة هو الأصل والملاذ لجميع أفراد الأسرة. وأضاف أنَّ يوم الجمعة يظل مرتبطاً بالتجمع العائلي، إلاَّ أنَّ لفكرة كسر الروتين وتغيير المكان نكهتهما الخاصة، مؤكداً على أنَّ تجمّع العائلة في رحلة طوال يوم الجمعة في مكان جميل ومريح سيغير نفسية الجميع ويحسن من مزاجهم. قوَّة نفسية ولفت "د. محمود كسناوي" -استشاري علم نفس اجتماعي بجامعة أم القرى بمكة المكرمة- إلى أنَّ السكن مع الأهل يشكل جواً اجتماعياً جيداً للزوجين والأبناء، إذ تبين أنَّ وجود الأحفاد في أسرة يكون الجد والجدة فيها على قيد الحياة يُمثّل قوة نفسية للأطفال، ويتيح لكبار السن أن يقدما الدعم والخبرات للأم في تربية الأبناء، إلى جانب أنَّ الأسرة الممتدة توفّر الأمن والتعويض النفسي للزوجة عندما يغيب عنها زوجها أو أحد أفراد أسرتها. وأكَّد على أنَّ الأسرة الممتدة تسمح بأن يشارك كل الأبناء وزوجاتهم والأحفاد في مسؤولية ورعاية الوالدين المسنين، بحيث تتوزع المسؤولية وتصبح في حدود الطاقة، وهذا لا يتوفر بالطبع في الأسر المحدودة، التي يكون مطلوباً من أحد الأبناء أن يتحمل مسؤولية والديه كاملة، مُبيّناً أنَّ توزيع المسؤولية يُسهّل على الأبناء التعرف على الخصائص النفسية للمسن، وكيفية التعامل مع هذه الخصائص، وبالتالي لا يشكل المُسن عبئاً على أبنائه. غياب الخصوصية وأضاف "د. كسناوي" أنَّ هناك سلبيات أخرى، مثل غياب الخصوصية وزيادة المشكلات وعدم تحمّل الزوج لمسؤولية المنزل، إلى جانب إشكاليات تدخّل الأهل في خصوصيات الزوجين، موضحاً أنَّ المشكلات قد تنتج في الأسرة الممتدة إذا كانت زوجة الابن قادمة من نمط معيشي يخالف تماماً النمط الذي يعيش فيه أهل زوجها، ممَّا يؤدي إلى عدم قدرتها أحياناً على التأقلم مع البيئة الخاصة بأسرة الزوج من جهة، وعدم القدرة على التحاور والتعايش مع أفراد الأسرة من جهة أخرى، خاصةً أم الزوج أو أخواته، داعياً إلى الاهتمام بكافه هذه الأمور ومراعاتها حتى تتمكن الأسرة من تجاوز أيّ خلافات بسبب تداخل العلاقات داخل البيت الواحد. قضايا أسرية وأوضح "خالد العلي" –مستشار أسري- أنَّ بيت العائلة كان مصدرا للسعادة والتراحم وتواصل الأخوة، مُضيفاً: "نحن لا نقول أن تتم العودة إلى تجمع الأسرة في مكان واحد، فقد كانت الظروف الاقتصادية قديماً تقف حائلاً أمام توفير مسكن لكافة الأبناء، ولكن يجب أن يظل لبيت العائلة مكانته وهيبته، فهو عنوان العز والتلاقي والحنين إلى الذكريات ومعاني الطفولة والبر، كما أنَّه مكان الألفة الذي تجتمع به الأسرة بكاملها، وكذلك دوره الهام في مجال التشاور ومناقشة بعض القضايا الأسرية وحلها. وبيَّن أنَّ يوم "الجمعة" يمتاز لدى غالبية الأسر بنكهة خاصة يستمتع بها أفراد العائلة كافة صغاراً وكباراً، مُضيفاً أنَّه على الرغم من سرعة وتيرة الحياة، إلاَّ أنَّ معظم الناس يحافظون على قدسية هذا اليوم واللمات العائلية فيه، موضحاً أنَّ نسبة كبيرة من الأسر تفتقر إلى إمكانية الحصول على الترفيه، بسبب الأعباء والالتزامات المختلفة، وبسبب الضائقة الاقتصادية التي كثيراً ما تثقل كاهل العائلات، وتحول دونها وتحقيق قسط من الراحة والاستجمام، وبهذا يكون منزل العائلة هو المكان الترفيهي شبه الوحيد، الذي تقضي فيه الأسرة معظم وقتها، لافتاً إلى أنَّ البعض يعمل على كسر الروتين والتغاضي عن تكاليف الرحلة المرهقة، فيسعى إلى تقاسم المصاريف من أجل التجمع وتغيير الأجواء في مكان جميل. الحضور العائلي عنوان للمحبة والتآلف بين الجميع «أرشيف الرياض» اجتماع الاستراحة أكثر رغبة من المنزل «أرشيف الرياض» أجواء الاستراحة تمنح الترفيه بين الحضور وتقلل التكاليف «أرشيف الرياض»