شكل بيت الأسرة الكبير الشجرة التي يستظل بفيئها كل الإخوة والأبناء والأحفاد في أبهى صور الترابط الأسري والحاضن لكل تفرعات البيت الواحد. فالأب هو عمود البيت وواسطه والأبناء والأحفاد أوراق وأغصان تلك الشجرة المورقة. المجلس واحد والمحفل واحد والمناسبة واحدة. سيد البيت الأب وسيدته الوالدة والكل يأتمر بامرهما.. لا تفكير في استقلالية.. لا نزوع لتفرد. o اليوم تبدلت الظروف.. ومعطيات الحياة اختلفت.. والمبررات تعددت والبحث عن سكن جديد.. مأوى مستقل. همّ كل واحد من أفراد هذا المجتمع. o متغيرات كثيرة طرأت على أعراف سائدة. وحياة جديدة خرجت لتصبغ مجتمعنا بلون آخر وبسلوكيات أخرى. ربما تعقد ظروف الحياة وكثرة الأعمال والميل إلى الاستقلالية والتغير في الأنماط المعيشية عوامل أفقدت مجتمعنا الأسري منظومته الحقيقية. بالماضي كانت الأسرة يأويها مسكن واحد يهنؤون في العيش فيه بنفوس راضية وحياة بسيطة الأب هو صاحب القرار وصاحب المشورة ومسؤول مسؤولية كاملة عن أبنائه وعائلاتهم والأم هي سيدة البيت الأولى لها مكانتها في أسرتها وتدير كل شئون الأسرة تتدخل في شؤون أبنائها.. اليوم تبدلت الأحوال والمعطيات.. لننظر إلى الأمور من زوايا متعددة. ولننظر إلى معاناة بعض الأسر: o استهلت الحديث أم خالد بالقول: «لم أهنأ بحياتي طيلة السنوات الخمس الماضية بيوم راحة أو استقرار حيث إنني أسكن في سكن عائلي مع أهل زوجي أنا وأبنائي الثلاثة وكل شيء بالمنزل مشترك حيث يقطن زوجي مع والديه وإخوته في دور أرضي يتكون من خمس غرف وصالة والكل في حالة من التوتر والقلق لعدم تحقيق الأريحية التي يتمناها كل شخص خاصة فيما يتعلق بالاستقلالية وطرق تربية الأبناء، والتي تعتبر مشتركة في العائلات الممتدة». بهذه العبارات الموجعة روت أم خالد حكايتها مع المنزل العائلي المشترك والذي يشكل معضلة كبرى لدى كثير لاسيما في حال كان البيت مشتركاً لأكثر من عائلة. وتابعت بحزن ترجمة عينيها حيث تقول أم خالد: كل إنسان من حقه أن يعيش حالة من الخصوصية، الأمر الذي حرمت منه أنا طيلة الخمس سنوات، وعن الأمر الذي اغتال خصوصيتها ابتسمت أم خالد وقالت: وهل يوجد شيء اغتال حريتي غير السكن المشترك؟.. وفصلت أم خالد في حديثها قائلة: إن غرفة واحدة لا يمكن أن تكفي لأربعة أشخاص حيث الأسرة بدأت تزداد، وكل طفل بحاجة إلى خزانة خاصة به، ومكان يحوي أغراضه بالإضافة إلى الخصوصية التي تنشدها كل زوجة فيما يتعلق باللبس والمناقشات بين الزوجة وزوجها، وطريقة تربية الأبناء، والمعضلة الكبرى هي القلة في التواصل مع زميلاتها من خارج الأسرة. o وتشاطرها الرأي (أم فيصل) بأن مسألة العيش مع أهل الزوج في غاية الصعوبة بسبب التصادم ووقوع المشكلات التي تولد نتيجة اختلاف الطباع ووجهات النظر وكيفية رؤية العديد من الأمور الحياتية.. وتضيف أم فيصل: بأن هذه المشكلات والصراعات قد توجد لها حلول نتيجة العشرة الزوجية والألفة وتنتهى بتنازل الزوجة للحفاظ على أسرتها. ولكن قد يؤدي تدخل الأهل إلى ازدياد حجم هذه الخلافات حينها يكون استقلال الزوجين في منزل خاص بهما أفضل بكثير مع العيش من حياة مشتركة. o ليالي العنزي ترفض رفضاً باتاً فكرة السكن العائلي المشترك، ولديها أسبابها حيث تقول: السكن المستقل يوفر لها الراحة النفسية التامة لكي تستطيع أن تعيش في مملكتها بأمان فتأخد راحتها باللبس فتلبس ما تشأء دون نقد أحد واستقلالية الطبخ وكدلك النوم في أي وقت ِشاءت. o بينما يرى (أبو فواز الرويلي) بأن السكن مع العائلة أمر في غاية الصعوبة، حيث يروي معاناته بأنه الأبن الأكبر للعائلة وأرضاء لوالديه فضل السكن العائلي معهم، وأضاف الرويلي بأنه تكالبت عليه الديون دون تأمين سكن لعائلته وانصدم بردة فعل الأهل بعد عشرين عاماً بأنه لابد من استقلاليته بسكن خاص.. ويروي مأساته بأنه لا يستطيع الآن الانفراد بسكن مستقل لكثرة الديون والالتزامات وكثافة المسؤولية. o وعلى الضفة الأخرى تؤيد أم راكان (40) عاماً السكن العائلي حيث تقول وجدت الراحة في السكن العائلي وأكثر من ذلك الأمان لأني كثيرة السفر بحكم دراستي في إحدى المناطق الحدودية وبذلك أؤمن على أطفالي السبعة في السكن العائلي بجوار أهلهم لأبيهم. o وحول هذا الموضوع أكدت إخصائية التربية الأسرية بانا الشبيلي بأن حالات الطلاق ازدادت في السنوات الأخيرة بسبب عدم وجود الخبرة الكافية لدى الفتاة والشاب التي تؤهلهما لبناء حياة جديدة. وفي الماضي كان الزوجان ينشآن في أسرة ممتدة تحت رعاية والديهم بمعنى أن الفتاة كانت تعيش مع زوجها في منزل أسرته يستمعون إلى نصائح من هم أكبر منهم عمراً ويستفيدون من تجاربهم وخبراتهم لذلك كانت غالبية حالات الزواج ناجحة. o فيما ترى الإخصائية الاجتماعية عنود السمير بأن العائلة تتكون من أسر ممتدة تشمل الجد والجدة والزوج والزوجة والأبناء. وأسر متعدده تتكون من الزوج والزوجة والأبناء.. وأكدت السمير بأن الأسر الممتدة من الأنماط الشائعة بالعالم العربي الإسلامي لتميزه بأسس إسلامية مستقاة من الدين الحنيف قائمة على تقوية العلاقات بين الأسر وعلى التآزر والتعاون فيما بينها، إلا أن الحياة مع أهل الزوج قد يكون إيجابياً وقد يكون سلبياً؛ وإذا تناولنا النواحي الإيجابية في انفصال الأزواج عن ذويهم والعيش في مسكن خاص بهم فأولى هذه الميزات التي تتوفر للزوجين هي الاستقلالية والحرية إضافة إلى النمو الطبيعي من خلال اكتساب الزوجين للخبرة. وتشير السمير إلى ان سلبيات الانفصال عن الأسرة والاستقلال بمنزل خاص يظهر حينما تختار المرأة الخروج من المنزل للعمل سواء لأسباب مادية لزيادة مصادر الدخل لمواجهة ظروف الحياة واعبائها ومتطلبات حياة كريمة لها ولأبنائها أو غيرها فهي بذلك تضيف أعباء العمل على واجباتها المنزلية كأم وزوجة لها مسؤوليات عدة داخل البيت. ومهما يكن يظل الاحترام المتبادل بين الزوجين هو أساس التناغم والانسجام سواء في الأسر التي تسكن ضمن البيوت الممتدة أو غيرها المستقلة، فكثيراً ما نسمع عن زيجات فاشلة ولم تكن البيوت الممتدة أساساً لها. وكم من أسرة تمنت العيش ضمن بيت كبير يضم الأجداد والأحفاد وخاصة في وقتنا الحالي الذي نحن في أمس الحاجة فية إلى محاكاة من يكبرونا سناً للتشبت بالعادات والتقاليد الإيجابية التي بات شبابنا يبتعد عنها. o هذه المتغيرات التي دخلت حياتنا وعاداتنا غيرت الكثير والكثير من المفاهيم وأصابت الرابط الأسري مما أفقد حياتنا لوناً صبغت به.. الكل يبحث عن الاستقلالية في السكن.. في العيش.. في القرار.. الكل يغرد في فضاء اختاره هو.. لا أحد يمليه عليه أو يفرضه.. ملامح الأسرة الواحدة تلاشت والكلمة الواحدة ذابت أمام طوفان عصر متغير.