حتى الذين لا يعرفون العربية يقفون مذهولين إعجابا بروائع الخط العربي الذي تحول على إيدي مبدعين الى فن تعبيري يفرح العين ويسرح بالخيال، يقف الغربيون أمام لوحاته وقفات انبهار وكأن لسان حالهم قول أبي تمام: (ولم أفهم معانيها ولكن وَرَتْ كبِدي فلم أجهل شجاها فكنتُ كأنني أعمى مُعنّى يُحب الغانيات وما راها) فالواقع أن (الخط العربي) كثيراً ما يتجلى في غاية الحسن والبهاء وتضيف له التشكيلات والفواصل جمالاً على جمال يراه كل من زار معارض الخط العربي.. مع أن العرب في الأصل أمة لا تقرأ ولا تكتب إلا نادراً، وأكثرهم بادية لا يعترفون بالحِرَف بل ربما يحتقرونها، وما كان فنهم إلّا الشِّعر وبعض خيوط الغزْل على بيوت الشَّعر بشكل بدائي ولكنه يرهق البدوية أيما إرهاق، وربما أمتع من تهوى الفن. ولكن مع سطوع شمس الإسلام ونزول القرآن بلسان عربي مبين تغير كل شيء: سادوا الأمم، وهضموا الثقافات الجيدة كالجسد المعافى السليم، وتباروا في تحسين الخطوط التي تُكتب بها الآيات القرآنية وأسماء الله الحسنى، ثم نوعوا في الخطوط حتى أصبحت كالزخارف والمنمنمات وأحياناً كالطيور المغردة حتى إن الخط الجميل يكاد أن ينطق ويعبر ويُصوّر. سبب آخر جعل المسلمين يتخذون الخط العربي فناً من أرقى الفنون وأبقاها وهو تجنبهم النحت وتصوير ذوات الأرواح.. وبالمناسبة ما لم يكن الخط واضحاً فقد تقع مآس عجيبة، ورد أن سليمان بن عبدالملك كان غيوراً فرابط في روضة بجانب المدينةالمنورة ومعه جاريته التي يحبها، وحين استيقظ بليل وجدها تستمع لمغنٍ بعيد وتتنهد فأعمته الغيرة وكتب لواليه على المدينة: (أحص المغنين) فسها كاتبه ووضع نقطة على (الحاء) فبدأ الوالي بمغنٍ اسمه (الدلال) فخصاه، فقيل له: إنما هي (أحص المغنين) فرد: على الحاء نقطة أكبر من سهيل.