القصيم تحقق توطين 80% من وظائف قطاع تقنية المعلومات    إجراء قرعة بطولات الفئات السنية للدرجة الثانية    «خليجي 26»: رأسية أيمن حسين تمنح العراق النقاط ال 3 أمام اليمن    الأخضر يتعثر أمام البحرين    المنتخب العراقي يتغلّب على اليمن في كأس الخليج 26    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية "أرويا"    رحلة تفاعلية    المدينة المنورة: وجهة استثمارية رائدة تشهد نمواً متسارعاً    الشرع : بناء سوريا سيكون بعيدا عن الطائفية والثأر    للمرة الثانية أوكرانيا تستهدف مستودع وقود روسيا    القمر يطل على سكان الكرة الأرضية بظاهرة "التربيع الأخير"    صلاح يعيد ليفربول للانتصارات بالدوري الإنجليزي    مشاهدة المباريات ضمن فعاليات شتاء طنطورة    وزير الداخلية يبحث تعزيز التعاون الأمني ومكافحة تهريب المخدرات مع نظيره الكويتي    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    شرطة العاصمة المقدسة تقبض على 8 وافدين لمخالفتهم نظام مكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص    39955 طالبًا وطالبة يؤدون اختبار مسابقة "بيبراس موهبة 2024"    الأمير فيصل بن سلمان يوجه بإطلاق اسم «عبد الله النعيم» على القاعة الثقافية بمكتبة الملك فهد    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    مقتل 17 فلسطينياً.. كارثة في مستشفى «كمال عدوان»    اتفاقية لتوفير بيئة آمنة للاستثمار الرياضي    السعودية تستضيف غداً الاجتماع الأول لمجلس وزراء الأمن السيبراني العرب    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    السعودية واليمن تتفقان على تأسيس 3 شركات للطاقة والاتصالات والمعارض    نائب أمير الشرقية يفتتح المبنى الجديد لبلدية القطيف ويقيم مأدبة غداء لأهالي المحافظة    جمعية المودة تُطلق استراتيجية 2030 وخطة تنفيذية تُبرز تجربة الأسرة السعودية    ولادة المها العربي الخامس عشر بمحمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    ولادة المها العربي ال15 في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    نجاح عملية جراحية دقيقة لطفل يعاني من ورم عظمي    شركة آل عثمان للمحاماة تحصد 10 جوائز عالمية في عام 2024    اليوم العالمي للغة العربية يؤكد أهمية اللغة العربية في تشكيل الهوية والثقافة العربية    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "الوعلان للتجارة" تفتتح في الرياض مركز "رينو" المتكامل لخدمات الصيانة العصرية    فتيات الشباب يتربعن على قمة التايكوندو    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    تنفيذ حكم القتل بحق مواطنيْن بتهم الخيانة والانضمام لكيانات إرهابية    أسمنت المنطقة الجنوبية توقع شراكة مع الهيئة الملكية وصلب ستيل لتعزيز التكامل الصناعي في جازان    طقس بارد إلى شديد البرودة على معظم مناطق المملكة    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «كنوز السعودية».. رحلة ثقافية تعيد تعريف الهوية الإعلامية للمملكة    ضبط 20,159 وافداً مخالفاً وترحيل 9,461    ولي العهد يطمئن على صحة ملك المغرب    «العالم الإسلامي»: ندين عملية الدهس في ألمانيا.. ونتضامن مع ذوي الضحايا    إصابة 14 شخصاً في تل أبيب جراء صاروخ أطلق من اليمن    «عكاظ» تنشر توصيات اجتماع النواب العموم العرب في نيوم    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    «يوتيوب» تكافح العناوين المضللة لمقاطع الفيديو    لمحات من حروب الإسلام    معرض وزارة الداخلية (واحة الأمن).. مسيرة أمن وازدهار وجودة حياة لكل الوطن    رحلة إبداعية    «موسم الدرعية».. احتفاء بالتاريخ والثقافة والفنون    السعودية أيقونة العطاء والتضامن الإنساني في العالم    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    وصول طلائع الدفعة الثانية من ضيوف الملك للمدينة المنورة    الأمر بالمعروف في جازان تفعِّل المعرض التوعوي "ولاء" بالكلية التقنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا أكترث بما يُثار حولي من لغط
الروائي يوسف المحيميد:
نشر في الرياض يوم 12 - 01 - 2006

بين العناية بحاسة اللمس والاحتفاء باللغة كانت هناك حكاية حب لمثقف مهزوم وقلق. كانت هناك أيضاً امكنة مختلفة تتخلق فيها هذه الحكاية التي ينتزه فيها المؤلف يوسف المحيميد وليقدمها للقارئ كإصدار روائي رابع سماه «نزهة الدلفين» وفي هذا الحوار ل «ثقافة الرياض» نرصد هذه النزهة السردية مع الروائي يوسف المحيميد لنتعرف على عوالم الدلفين بالإضافة إلى ما تم بشأن ترجمة رواياته السابقة إلى لغات أخرى.
٭ بعد أيام قليلة من صدور روايتك الرابعة «نزهة الدلفين» هل أنت على قلق.. أريد أن اعرف كيف تكون هواجس المبدع في اللحظات الأولى من صدور عمله وهو يترقب ردة الفعل من القارئ، من الناقد. أشياء كثيرة لا بد أنك تهجس بها الآن.. أليس كذلك؟
- بالطبع أنا أتلقى الانطباعات الأولى من الأصدقاء، وهي مهمة بشكل أو بآخر، لكنني لست قلقاً كما تتصوَّر، لسبب بسيط عوَّدت نفسي عليه منذ بداياتي، أن النجاح والفشل أمران نسبيان، فرواياتي الثلاث «لغط موتى» و«فخاخ الرائحة» و«القارورة» تباينت حولها الآراء حد التناقض. هذا الأمر أكسبني الخبرة والحصانة، فلست مكترثاً كثيراً بما يحدث حولي من لغط، أكتب بثقة وفي ذهني مشروع روائي طويل لم يكتمل، لكنني أخطو به بوعي ورؤية وبصيرة صوب الاكتمال، وها أنذا أحصد نتائجه، خصوصاً على المستوى العربي وفي الخارج، فحين أتلقى الدعوات للمشاركة في ملتقيات الرواية، وتعقد ندوة حول أعمالي الروائية، وحين أتلقى طلبات المترجمين لترجمة أعمالي إلى لغات أخرى، هذا يجعلني مطمئناً إلى أنني حققت الخطوة الأولى في مشوار طويل، لكنني أمتلك القلق حول اشتغالي وتطوير أدواتي والتقاط موضوعاتي. أما القلق من إصدار واحد فلست معنياً به، لأنني لست مغنياً ينتظر أعلى المبيعات لألبوم غنائي، بمعنى أنني احترم القارئ كثيراً، لكنني لست تحت وصايته.
٭ أن تصنع رواية تقوم على حكاية حب يبدو الأمر شاقاً.. المشقة تأتي من نسج حكاية مختلفة أن تكون قصة حب استثنائية يتداولها العشاق لتكون رافداً لخيابتهم، وأسألك ما الذي حرضك على أن تكون نزهة الدلفين تتجه إلى هذا البعد العاطفي الخالص؟
- كنت أتمنى أن تكون نظرت إلى العمل نظرة أكثر شمولية، فالحب والشك والقلق والوحدة والصمت والخوف والقمع الاجتماعي والسياسي والموقف من النص الإبداعي وعلاقته بالسياسة، كلها كانت مطروحة في «نزهة الدلفين»، بالطبع لن أطالب كل من يقرأ أن يصل أو يعثر على كل هذه العناصر أو الثيمات، بل لعل من جماليات أي نص إبداعي أن يفرز القراءات المتعددة حوله. ما زلت أذكر كيف خلقت رواية «اسم الوردة» لإمبرتو إيكو جدلاً في قراءاتها، حيث أتقن إيكو لعبة القراءة حولها، وهو السيميائي المختص بالتأويل ونظرية القراءة. ما زلت أتامل تباين القراءات حول روايتي «فخاخ الرائحة» و«القارورة»، فهناك من اشتغل على الذات الساردة في «القارورة» وهناك من التقط «الميتاقص» فيها، وهكذا تتعدد القراءات وتتباين وتختلف، وفي النهاية تثري النص جيداً. أما ما حرضني على الاشتغال على تيمة الحب، فأظن أنها التيمة الخالدة والأهم، ولكن كما قلت لك هناك من سينظر إلى أبعاد أخرى، عن حب مهاجر مثلاً، عن شخصيات قلقة غير قادرة عن التعبير عن ذواتها، رغم أنها شخصيات مبدعة وقد تكون مثقفة، إلا أن البعد الاجتماعي الضاغط نسف أشياء كثيرة يمكن تجاوزها لدى هذه الشخصيات. كما ان حاسة اللمس كانت فاعلة كثيراً في النص، فاليد أو الدلفين كانت قادرة أن تحدد حياة وتنقذ أو تُدمّر.
٭ هل كان الاتكاء على أطراف ثلاثة في علاقة الحب لكي يمنح الحكاية تعقيداً يشد القارئ.. هذا إذا ما لاحظنا أن أحمد الجساسي لم يشكل حضوره هاجساً يقلق علاقة الحب. هو كان أشبه بدور العاذل الطريف. ولم يكن شريكاً حقيقياً في لعبة الحب؟
- قد تكون أسئلة الشخصية الأخرى «خالد اللحياني» وقلقه وتخيلاته وتحليلاته حول صديقه لم تأت عبثاً، قد تكون أوهامه حقائق وقد تكون خلاف ذلك، بل قد تكون نتاج نفسية شخصية مأزومة ومعقدة ومضطربة سلوكياً. بمعنى أن شخصية «الجساسي» مؤرقة ونشطة في علاقة الحب الغريبة تلك، لكنها شخصية ذكية تستطيع أن تلعب ببراعة وبخفاء، أن تتخذ الموضوع هزلاً في الظاهر، وتحيكه جداً في الباطن، بمعنى أنها قد تكون شخصية غامضة وغير مفهومة الداخل، خصوصاً وأن طفولته وشبابه كانت متقلِّبة وغير مستقرة، سواء على المستوى الحياتي الاجتماعي، أو على مستوى الموقف والفكر.
٭ اللغة كانت سيدة الرواية. وكانت متواءمة مع حالة الطغيان العاطفي في الرواية.. سؤالي كيف تتولد لديك المغايرة بين عمل وآخر وذلك على مستوى اللغة.. وأن تكون اللغة بهذه الرهافة كيف استطعت أن تنجو بها ودون أن تتحول إلى عبء يرهق النص السردي؟
- دائماً لدي يقين حيال اللغة في النص السردي، خصوصاً الرواية نظراً لتعدد الشخصيات وتباينها من جهة، أو تباين المواقف والأحداث والتفاصيل، فرواية جوهرها الحب وشخصيتها الفاعلة شاعر، لا بد أن تحضر اللغة فيها بقوة، ولكن ليست تلك اللغة المؤرقة والمعقدة والمرهقة التي تجعل الحدث يطيش، وإنما اللغة الرهيفة التي تخدم السرد لا أن تسلبه أو تحيِّده. أما عن سؤالك كيف استطعت ذلك، فلو تتبعت تجربتي بمجملها، وتصاعدها في الاحتفاء باللغة منذ أولى تجاربي، وحتى ذروة الاشتغال على جماليات اللغة وشعرنتها في «لا بد أن أحداً حرَّك الكراسة»، لاكتشفت أن المسألة تعتمد على خبرة ودراية وتراكم إبداعي لكنني الآن وصلت إلى كيفية استثمار كل ذلك في خدمة نصي الروائي.
٭ الكف.. الدلفين ما هي العلاقة بينهما كرمز للغرق وللنجاة. ولماذا كانت الإشارة إلى الدلفين بهذه الكثافة في الرواية؟
- الكف تحوَّل من كف عادي إلى دلفين من خلال رسائل الجوال بين الشاعر «خالد» والصحيفة «آمنة»، ومنها أصبح رمزاً للنجاة، فالدلفين كحيوان مبارك كان رمزاً للنجاة، ومنقذاً للغرقى، فخالد كان غريقاً في السأم والملل والوحدة في غرفته الباردة في بلدة «حقل» حيث يعمل مدرِّساً، حتى جاء الدلفين الذي كان يد «آمنة» بسمرتها الجميلة وأنقذه من السأم والوحدة، أما عن حضور الدلفين بهذه الكثافة فلأنه هو هيكل الرواية، وهو مبرر خلق العلامة والنص أساساً. فلو كانت مثلاً الأذن هي وقود العلاقة بين عشيقين، وبطل العلاقة شاعر، وسمَّى الأذن وردة، لأصبحت الوردة هي الحاضرة بقوة وكثافة في النص.
٭ لو نزعنا من أحمد الجساسي جنسيته القطرية ومن آمنة المشيري جنسيتها الإماراتية وتم سعودة الشخصيتين لما شعرنا بأن هناك اختلافاً سيحدث لملامحهما. هل كانت مسألة التجنيس هو هرب من مأزق ما.. ولماذا لم تكن حالة الحب سعودية خالصة؟
- (يضحك) أخشى أن ينتبه إلى سؤالك د. غازي القصيبي ويعاقبني على عدم سعودة الشخصيات، ولا يمنح روايتي «نزهة الدلفين» تأشيرة دخول! فيبقى الدلفين الضحوك حزيناً ومنفياً على شواطئ البلاد. طبعاً سؤالك هذا كان افتراضياً، وفهمت منه أنك تسأل لماذا لم «تسعوِّد» الشخصيات حتى تثير بعض الضجة في الداخل، فقد أصبح الحديث عن «السعودي» و«الرياض» فاكهة الصحافة التي لا تمل من لوكها. قلت لك منذ البداية لست معنياً باللغط ولا أتوسله، فلو اعتمد النص أساساً كما رسمته بدءاً على هكذا شخصيات فلن أترتد، وليس ثمَّة مأزق كما تتصوَّر، بل لو كانت الشخصيات الثلاث سعودية لترتب على النص علائق أخرى، ووسائل لقاء مختلفة جذرياً، بمعنى أنك تتحدَّث الآن عن نص آخر.
٭ لماذا كانت القاهرة مسرح الأحداث العاطفية.. هل هو تحايل باتخاذ هذا المسرح المفتوح لصياغة الأحداث العاطفية. أليس المدن ذات الأسوار لها أيضاً حالاتها العاطفية ولها مسرحها الخاص بها. في تصوري ألم يكن أجدى توطين هذا الحب داخلياً وبالتالي سوف تفوز بحالة حب استثنائية في سياق التناقضات التي نعيشها؟
- طبعاً هذا صحيح، فلو كانت الرياض، أو جدة أو غيرهما فضاء العلاقة، فلن تظهر بهذا الشكل إطلاقاً، وهي مدن لها حالات خاصة، بل شديدة الخصوصية، في علائق الحب والعشق والمواعيد، لكن «نزهة الدلفين» راهنت على «القاهرة» كمكان، لأن الأحداث والتفاصيل والمكان والنيل لا يمكن أن تجدها إلا في مكان مفتوح شيئاً ما كالقاهرة أو بيروت أو دمشق، ثم أنه إشارة إلى ولع هؤلاء الشخوص بالحب والحياة في مدن لا يعرفهم فيها أحد. أنا أتمنى أن لا تتحول نقاشاتنا حول الرواية على ما يجب وما لا يجب. وألا نتحوَّل إلى موظفين في وزارة العمل أو وزارة الثقافة، ونبحث عن أمور «السعودة» و«التوطين»، فالرواية كما تعلم فضاء متعدد الشخصيات والأماكن.
٭ آمنة المشيري برغم أنها لاعب رئيسي في الحكاية إلا أنها لم تكن بتلك السطوة الأنثوية، لم تكن ذلك التضاد الداخلي الذي يخلق حالة من الصراع بالفوز بقلبها. ألا تشعر أنها كانت أقل من أن تكون ملهمة أو أن تكون أنثى الدهشة؟
- أحياناً تحتاج إلى أن تلتقط ظلال الأشياء وأثرها، حيث الظلال أحياناً أقوى أثراً من الشيء ذاته، فالرجلان كانا عبارة عن المرآة لما تحدثه هي من أثر، فهي مؤثرة بصمت وذكاء، قادرة على إثارة نزاع ضمني وعميق بين صديقين يحبانها معاً، كما كانت حاضرة كشخصية مجاملة لا تريد أن تفقد أحداً، توحي أنها قادرة على أن تمنح الحب لأشخاص عديدين، وقد تلحظ أثر سلوكها وبراعته منذ لحظة تماس الأيدي بتلقائية حكمها الموقف، وحتى اللحظات الأخيرة في العلاقة، أليست كانت تدير الحكاية ببراعة بين العشيقين؟ ألم تضربهما ببعض حينما انتقمت من صديقها «اللحياني» وقد شكَّت بعلاقته بالمرأة المحجبة؟ ألم تكن الأنثى الطروب، التي تستثر من حولها بالغناء والرقص والنظرات؟ أنا أرى ذلك، ولك رأيك بالطبع، وقد يجد القارئ ما لم تجده وما لم أقصده أنا أيضاً.
٭ مشاعر شخصية الشاعر خالد اللحياني كانت يطغى عليها الجانب الحسي. لذا كانت المشاهد الحسية طاغية في الرواية. هذا الحشد الحسي هل كانت له قصيدة بحيث يعبر عن العاشق الخليجي المغرم بالجسد؟
- وهل يمكن أن تبنى علاقة حب وهي تستبعد الحسي تماماً؟ شخصياً لا أتفق معك هنا حول الإنسان الخليجي، وكأنما هو قادم من كوكب مجهول، أليس العالم كله، وفي مقدمته العالم المتقدم معني بالجسد، ألم تكن آخر روايات غابرييل غارسيا ماركيز عن «غانياته الحزينات» ورواية باولو كويليو قبل الأخيرة «إحدى عشرة دقيقة» كانت ترتكز على الجسد، واشتغال النمساوية «يلينيك» الحائزة على نوبل ما قبل الأخيرة كان أيضاً على الجسد، يبدو أننا نصدق سريعاً مايقال عنا، وما يثار حولنا. أعرف أن المجتمعات المغلقة والمحافظة تزداد الرغبة فيها إلى الجسد، لكن ذلك لايعني انتفاء الرغبة عند غيرها من المجتمعات المفتوحة، هي فطرة إنسانية تقوم عليها الحياة. ما قدمته الرواية من مشاهد حسية كانت مبررة تبعاً للعلاقة، وكثيراً ما قلت في حوارات سابقة، أن حضور الجنس في الرواية يجب أن يكون مبرراً وإلاتحول إلى هدف تسويقي مفتعل وممجوج، وهذا مالا أؤمن به.
٭ لماذا الحب والسحر يتلازم حضورهما في الرواية. كما حدث لوالد آمنة؟
- أولاً السحر بمعناه المجازي يعني أعلى درجات الوله والعشق، فحين يقول العاشق لمعشوقته أن عيناها ساحرتان، فهو لايقصد أن لها عينان فيهما سحر حسي، بتركيبته وتعويذاته، بل يقصد أنها تجعل العاشق هائماً فيها. ثانياً أردت من حكاية والد آمنة أن أشير إلى نقطة في منتهى الأهمية في المجتمعات الخليجية، وهي ارتباط هذه المجتمعات بالماوراء وبالغيب وبالسحر، فكل مالا يتفق مع أهوائها يتم تفسيره بالسحر والعمل! خصوصاً في علاقات الحب، فكأنما لاتوجد حكاية حب إلا وتأتي وراءها امرأة وضعت «عملا» للرجل حتى صار يركض خلفها مذهولا. أضف إلى ذلك جمال كلمة السحر كدرجة عالية في وصف الجمال.
٭ تلوح في الأفق مشاريع ترجمة لبعض رواياتك. هل تحدثنا إلى أين وصلت هذه المسألة.. وماهي اللغات التي سوف تتم بها الترجمة؟
- طبعاً كانت التجربة واتصالات المترجمين بدأت منذ سنة ونصف تقريباً، إذ طلب مني المستعرب البريطاني توني كالدربانك أن أفوضه بالبدء بترجمة «فخاخ الرائحة» إذا لم أكن اتفقت مع مترجم أو ناشر، ففوضته بذلك، وعمل بجهد رائع للغاية، كان يسأل عن كل كلمة يشك في معناها، ويستفسر عن كل جملة يبحث فيها عن نظرتي، محاولا استقصاء معان أخرى في ذهني، وقد أنجز الرواية كاملة قبل شهر تقريباً، وأرسل نسختين منها إلى ناشرين بريطانيين عريقين، أحدهما في لندن وهو «بلومزبري» والآخر في لندن وأمريكا، وهو «رائدوم هاوس» لم نحسم الأمر تماماً مع أي منهما، ولم نتأكد هل ستنشر الرواية عند أحدهما أو عند ناشر مقترح ثالث، ما يهمني دائما أن يكون العمل مقبولا ومحبوباً لدى الناشر والمترجم والقارئ، فلو لم يتحمس المترجم ويحب العمل لن أفرض أو أقترح عملي على مترجم ما، ولو لم أجد ناشراً يحب عملي ويتحمس لنشره والتسويق له، فلن أفرض هذا العمل على أحد، بمعنى أنه إذا يسألني عن إحدى رواياتي مترجم أو ناشر أجنبي، فلن أقدمها شخصياً لأحد، العمل الجميل والمهم سيفرض نفسه حتى لو بعد سنوات، فأنا أترك روايتي تواجه مصيرها بنفسها. هذه رؤيتي، كلما كان الناشر والمترجم متحمسين لروايتي كلما كنت أخطو في الطريق الصحيح، أن نحب شيئاً يعني أننا سنكون مخلصين له. أما المترجم د. شاه رستم موساروف فقد هاتفني بعد أن قرأ روايتي «القارورة» وأحبها كثيراً، وطلب مني أن يشرع في ترجمتها إلى اللغة الروسية، وانطلق قبل عام تقريباً، وقد أنجز بدوره الترجمة الكاملة للرواية قبل شهر، لكنها الآن في طور المراجعة من قبل شخص روسي متخصص في الأدب.
٭ ماسر انجذابك للحواس ففي فخاخ الرائحة كان الاشتغال على حاسة الرائحة. وفي نزهة الدلفين تم الاشتغال على حاسة اللمس. ثيمة الحواس هل هو مشروع سردي يتوزع على أعمالك الروائية. وهل يتم تكييف السرد والحفر في أعماقها لصالح الحاسة مادة الرواية؟
- كنت منذ بداياتي، ومنذ نصوصي القصصية المبكرة، معنياً بالبصر، وبالمشهد البصري، أزعم أن طفولتي ارتكزت على الفنون البصرية، كالتشكيل والفوتوغراف، من هنا كانت عنايتي بالحواس في الكتابة الروائية أمراً ضرورياً وحاسما، لكنني لم أقصد أن يتخصص عمل بأكمله ك «فخاخ الرائحة» بحاسة الرائحة كمؤثر على مصائر الشخصيات، ولم أكتب بقصد لأن أخصص روايتي الجديدة «نزهة الدلفين» لحاسة اللمس، لكنني أريد أن أشير إلى نقطة في غاية الأهمية، وهي أن حاسة اللمس تبلغ أوجها وتميزها لدى من يفتقد حاسة البصر، أي للأعمى، ولأن بطل الرواية عاشقاً ومحباً، فالحب - كما يقال - أعمى، كان لابد أن تكون حاسة اللمس لدى الشخوص الثلاثة هي العامل الحاسم في العلاقة.
٭ صورة يوسف المحيميد تتصدر موقعاً عبرياً. وهناك حديث عن روايتك في الموقع. ماهي حكاية هذا الموقع العبري وكيف شعرت بأن تكون صورتك وحديثك في موقع كهذا الموقع؟
- يبدو أن هناك إصراراً على ترجمة «فخاخ الرائحة» إلى اللغة العبرية، والأمر بدأ منذ مدة قريبة بطلب من وسيط للنشر في دار أندلس، أهم دور النشر المختصة بترجمة الأدب العربي إلى العبرية، وقد صدر فيها عدد من الترجمات لكل من: محمود درويش، محمد شكري، الطيب صالح، حنان الشيخ، إلياس خوري، يوسف القعيد، نوال السعداوي، وآخرون. أما الموضوع المنشور باللغة العبرية، فقد كان عرضاً لرواية «فخاخ الرائحة» منشور في موقع حاسوم، الذي يشرف عليه الفلسطيني هاشم غرايبة، طبعا لا أملك شعوراً استثنائيا تجاه ذلك، فطالما أن رواياتي مطبوعة لدى دور نشر عربية منتشره في بيروت والقاهرة والرباط وتونس وحيفا والجزائر وغيرها. بالتالي من الطبيعي أن أجد صورتي أو حديثاً عني وعن تجربتي الروائية في صحيفة بريطانية أو امريكية أو اسرائيلية أو روسية، ولا يحق لي أن أجادل من يكتب عني لأن ما أكتبه صار شأناً عاماً وليس خاصاً.
٭ الحشد النفسي لشخصية البطل المثقف بأن يكون محبطاً وخائفاً وقلقاً أليس هذا يدخل الشخصية في الصورة النمطية الجاهزة عن المثقف. أليس هناك خيارات أخرى تضع شخصية المثقف في صورة مختلفة ومغايرة؟
- أنا أسألك، ألا تعتقد أن إنسان الألفية الثالثة عموما صار محبطاً وقلقاً؟ حتى لو كانت ثقافته بسيطة، فما بالك فيمن يملك ثقافة ما، يمكن أن تسعفه على قراءة الواقع وفهمه! رغم ذلك أود أن أنبهك إلى نقطة مهمة، وهي أن صورة المثقف النمطية في الرواية العربية خصوصاً في فترة الستينات والسبعينات الميلادية كانت صورة الناضل الشجاع، صورة الذي لاينهزم، صورة أدباء المعتقلات، صورة الذي يسخر أساساً من الحب، ويعتبره شيئاً زائداً ولاحاجة له، لأنه مشغول بالقضايا الكبرى، والحب يعتبر في نظر المثقف النمطي مسألة رفاهية، فصورة المثقف في الرواية العربية كما أعرف من خلال قراءاتي هي صورة الشخص الجاد الملتزم، الفرد الوحيد الذي يواجه المجموع، بينما في «نزهة الدلفين» كان الأشخاص الثلاثة يشعرون بالقلق والخوف، لكنهم هزليون ومحبون للحياة، فصور هؤلاء كانت صور عشاق للحياة، فالمرأة كانت خائفة من السلطة الاجتماعية، والشاعر كان جباناً وخائفاً من السلطة السياسية، وهكذا لم تظهر الصورة النمطية للمثقف الجبار العنيد المقاوم، وإنما ظهرت صورة أناس عاديون، يخافون ويحبون ويبكون ويضحكون ويحزنون ويثرثرون ويصمتون ويمشون في الأسواق والشوارع.
٭ سعودة الشخصيات ليست مطلب وطني. أتصور أنها متطلب سردي. ألا تجد أن الرواية عانت من الشتات الجغرافي بحيث حضرت أكثر من مدينة بصورة عابرة. هذا الشتات الجغرافي في تصوري لم يخدم السرد في الرواية؟
- متطلب سردي؟ وهل من شروط الرواية ومتطلباتها أن تكون شخصيات رواية كاتب ما من جنسيته؟ هل أخطأ المصري إبراهيم عبدالمجيد حين كتب «البلدة الأخرى»؟ وأخطأت اللبنانية حنان الشيخ حين «مسك الغزال؟ وأخطأ الفلسطيني يحيى يخلف حين كتب «نجران تحت الصفر»؟ وأخيراً أخطأ المصري محمد البساطي حين كتب روايته الأخيرة «دق الطبول» التي صدرت قبل أشهر قليلة؟ أعتقد أن في طرحك مجازفة وتنميط للرواية السعودية، فإذا كانت وصفت الرواية السعودية في نظرك أن يكون الشخوص فيها كلهم سعوديون، والأمكنة هي فقط الرياض وجدة، فأنا أعلن أنني متحرر من هذه الوصفة الجاهزة. ألا ترى أخى طامي أن المجتمع سواء هنا أو في أي مكان، خصوصاً مجتمعات المدن هي خليط من الجنسيات، وتنوع عرقي وديني، ألا ترى أن لدينا أكثر من عشرين جنسية في الرياض، ألا ترى أن البيوت لدينا أو بيئات العمل هي خليط من التنوع؟ وكذلك الأمر في مدن عربية وأجنبية أخرى.
٭ أنت راهنت على القاهرة كمكان يتيح لك تناول أحداث العلاقة العاطفية بكل تفاصليها.. هل افهم من هذا أن اختيار المكان هو من فرض تفاصيل الأحداث؟
- بالضبط، هو تماماً كذلك، بمعنى أن المكان لو كان الرياض أو جدة لاختلفت الأحداث تماماً، ولاختلفت طرق التواصل والحب تماماً، كذلك لو كان المكان الدوحة أو الشارقة لكان لها طابع خاص آخر، بمعنى أن من الصعب أن نتدخل ونقف فوق كتف الروائي تماماً ونجادل في الشخصية والمكان والحدث! وإلاتحولت أنت أو القارئ إلى شخوص مشابهين لشخوص روايتي الأولى «لغط موتى» الذين ظلوا طوال الرواية يشغلونني ويشاكسونني أثناء الكتابة.
٭ عندما كانت آمنة ترقص في المركب خلال رحلة النيل. وبرغم وجود وسائل تكنولوجية تحيل تلك الحالة المبهجة إلى فضيحة يتم تداولها عبر البلوتوث إلا أن آمنة لم تهاب تلك المسألة. ألاتبدو هنا آمنة ساذجة وهي لاتحفل بعواقب ما تفعله في تلك اللحظة؟.
- أعتقد أن تفاصيل حادثة الرقص جاءت بشكل تلقائي وعفوي، منذ لحظة المركب الصغير قبل ليلة الرقص، وحتى اصطياد المغنية بنظرها أثناء فاصل غنائي شخصيتين طروبتين، فتاة مصرية وآمنة، ثم محاولتها استدراج آمنة عبر الإشارة من بعد، ثم الذهاب إليها، وجذبها من يدها بتشجيع من صديقها، بمعنى أن الأحداث تسير تلقائياً نحو مزيد من الفرح والصخب والرقص، وهكذا لحظات بديعة لايمكن أن يقف العقل حائلا دون المتعة، هل نقول للضاحك بهسترية لماذا ضحكت؟ هذه لحظات تشبه العودة إلى الطفولة، فالطفل يتمايل بمتعة حالما يسمع الموسيقى، فهي انفعالات نفسية لايمكن ضبطها، تتصاعد حتى الذروة، فيقع الفعل دون التفكير العقلاني الذي تطالب به في سؤالك، ولايرتبط الأمر بالسذاجة، فشخصية المرأة كانت شخصية مرحة ولعوب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.