من يقرأ تاريخنا الإسلامي المبكر سيشعر أن هناك مراحل قد شابت العمل الإسلامي والفكر الإسلامي، فمنذ واقعة التحكيم بين علي ومعاوية مثلا وخطاب التكفير يتفاعل حتى وصل إلى مرحلة التنظير، والسجال ودخوله كتب العقائد والنحل من أوسع أبوابه إن من يقرأ تاريخنا الإسلامي المبكر سيشعر أن هناك مراحل قد شابت العمل الإسلامي والفكر الإسلامي، فمنذ واقعة التحكيم بين علي ومعاوية مثلا وخطاب التكفير يتفاعل حتى وصل إلى مرحلة التنظير، والسجال ودخوله كتب العقائد والنحل من أوسع أبوابه، وأصبح الانتماء الى أي فرقة من فرق الخوارج يعتبر ضلالا وانحرافا وزيغا عن جادة الصواب، والاعتدال، وسبيل جمهور المؤمنين وكيف لا وهم الذين كفروا بالمعصية وأخرجوا عن الملة من لم يوافقهم، وتوقفوا في جمهور المؤمنين حتى يتبين لهم إيمانهم أو كفرهم، لم يكن هناك عند الخوارج فقه لواقعهم أو فقه لمقاصد الشريعة، والتي تتمثل عندهم في القرآن الكريم فقط، أما السنة فجمهور فرق الخوارج لم تأخذ بها إلا بحدود معينة مثل مسند الربيع عند الأباضية، وهو أصح كتاب عندهم بل هو بمنزلة صحيح البخاري عند جمهور أهل السنة والجماعة وفي ذلك نظر، ما أريد قوله ان الخوارج أخذوا بظاهر القرآن فقط، واعتمدوا على فهمهم دون فهم السلف الصالح من صحابة وتابعين، ومن غير مراعاة ما يقتضيه واقع حال المسلمين ومقصد المشرع، هذا ما كانت عليه الخوارج وهو ما عليه خوارج هذه الأزمان ولنأخذ مصطفى شكري مؤسس جماعة التكفير والهجرة في بداية السبعينيات إن اهم الأفكار التي طرحها شكري هي التكفير بالمعصية والتكفير المتسلسل أي ومن لم يكفر الكافر فهو كافر وكفروا عموم السلطات وتوقفوا في عوام المسلمين؛ لهذا أنا أذكر أننا تعرفنا في سنة 1977م على مجموعة من الطلبة المصريين القادمين للعمرة وكنت وقتها في مكة فكان بعضهم لا يصلون خلف إمام الحرم ويحرصون على أن يكون امامهم منهم فكنت أستغرب من أنهم يصلون بعدنا وكنت اظنهم لم يدركوا الإمام ولهذا يصلونها متأخرين عن الجماعة وتكرر كثيرا هذا الفعل منهم ولم ادخل وقتها معهم في نقاش او سجال وذلك لصغر سني ومحدودية علمي ثم تطورت علاقة طلاب الشيخ بديع الراشدي وأنا منهم بهذه المجموعة، وكانوا غالبا طلابا في جامعة القاهرة من الجماعة الإسلامية، وكان الإخوان المسلمون في مصر وقتها قد سيطروا بشكل مطلق على اتحادات الطلبة في الجامعات المصرية، وتدفق المال على هذه الاتحادات فكانوا ينفقونها على رحلات العمرة والحج وطبع الكتب، وتأليف قلوب بعض الطلبة، وكان إنفاقهم سخيا جدا، وحتى هذه الساعة لا توجد معلومات وافية عن مصادر هذه الأموال التي تدفقت على اتحادات الطلبة لمجرد أنها اصبحت تحت مسمى الجماعة الإسلامية.. نعود إلى ما كنا فيه هذه المجموعة من الشباب كانت لا تصلي خلف امام الحرم كما قلنا ومن ثم اكتشفنا أنها لا تصلي خلف أي إمام من غير جماعتهم وأحد الإخوة وكان من أهل البادية وسمع بممارساتهم فظن أنهم يفعلون ذلك بسبب تعصبهم المذهبي وانهم غالبا ينتمون الى المذهب الشافعي ولا يصلون الا خلف امام من مذهبهم لهذا تاريخيا كان في الحرم أربعة منابر وأربعة أئمة للمذاهب السنية المشهورة وهي بدعة في الدين وقد يسر الله إزالتها على يد الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه.. ما اريد قوله أن صاحبنا الذي كان يستضيفهم في بيته ويأخذهم بسيارته، ويطعمهم في سفر جماعية اقول لم يتوقع هذا الصديق أنهم لا يصلون خلفه هو نفسه ولا يحبونه في الله بل لعلهم يبغضونه بالله، المشكلة اننا لا نستطيع أن نصدم شخصا منفتحا على حب الناس وجند نفسه لخدمتهم بكل اريحية ولطف ونكران للذات يحكي لي هذا الصديق وهو محب لطلبة العلم يقول انا لم أكن اتوقع انهم يكفرونني وبداية حكايتي معهم كما تعرف انني تعرفت على بعضهم في الحرم وكنت آخذهم معي الى المزرعة واذا جاء وقت الصلاة يتقدم احدهم كإمام وتكررت هذه المسألة عندي في مسجد المزرعة وهو مسجد عند بوابة المزرعة يؤمه ثلاثة رعيان ووالدي وانا وكنت اقول في نفسي نعم هم متعلمون ويقرأون القرآن بشكل صحيح، وعليه فمن الأصوب فقها ان يؤمنا اقرأهم لكتاب الله ووطنت نفسي على هذه الحالة الى ان اتى يوم وبعد صلاة العشاء وقف احدهم ومعه اوراق فقرأها علينا بشكل حماسي متشنج ولم يكن في المسجد الا انا ووالدي والرعيان الثلاثة وبعد ان انتهى من الورقة تكلم عن الإيمان والكفر وانه يجب علينا ان نكفر الكافر ونبغضه وانه يجب علينا تكفير الحكام ومن يعمل عندهم وهكذا طالبونا بتكفير الجميع والتوقف في من لم نستبن كفرهم من إيمانهم وأننا يجب ألا نصلي إلا خلف مؤمن، وهنا تذكرت ما كانوا يمارسونه في الحرم وما كانوا يمارسونه معي أنا الذي آويتهم وحللت لهم مشاكلهم المالية، وكنت تحت امرتهم اذهب واجيء بهم بسيارتي طلبا للثواب من عند الله حتى إنني اقرضت بعضهم نقودا ولم يردوها بعد ان ابتعدوا عني لعدم اخذي بأقوالهم العجيبة وسألت الشيخ بديع فأخبرني ان هذه الأفكار هي عين فكر الخوارج المبتدعة وضلالهم. يؤجر من قاتلهم، ومن أعان على التحذير منهم، ويجب أن يكون لولي الأمر علم بهم، هذا ما قاله الشيخ بديع الدين بن احسان الله شاه الراشدي السندي.