تمضي الأيام والشهور والسنون سراعاً ونحن في غفلة ساهون مع الأسف الشديد لا نعتبر بالمواقف والأحداث والخطوب،حتى الموت الذي هو نهاية كل حي، الموت الواعظ الصامت، الأمر الجلل لم يعد يحرك فينا ساكناً، ولم يعد يؤثر في القلوب، فكم ودعنا من الأحباب والأصدقاء والأصحاب؟! وكم ودعنا من الآباء والأمهات والإخوة والأخوات؟! وكم ودعنا من الزوجات والأبناء والبنات؟! وكم ودعنا من الأقارب والجيران؟! وكم؟! وكم؟!، هذه هي الدنيا التي تجمع بين المتناقضات غنى وفقر، حزن وفرح، ضحك وبكاء، سعادة وبؤس، مرض وصحة، نجاح وفشل، راحة وعناء...الخ. دنيا متقلبة متلاطمة الأمواج، سريعة الزوال، هذه الدنيا التي نحسب لها ألف حساب لا تساوي عند الله جناح بعوضة، هذه الدنيا دار عمل ولا حساب والآخرة دار حساب ولاعمل.. هذه الدنيا الفانية إن دامت لأحد لكان الأجدر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم والأبناء والرسل، إننا ننسى الموت، وننسى بأن هناك يوم مغادرة شئنا أم أبينا!! فلو كان من يريد الانتقال من دولة إلى أخرى فإنه يتحتم عليه تجهيز جواز سفره وحقيبة ملابسه ويضع في جيبه مبلغاً من المال ليستعين به على شراء احتياجاته ومطالبه في تلك الرحلة! ولكن سفرنا ومغادرتنا من هذه الدنيا لا نحمل معنا سوى ما قدمنا من أعمال.. وقد قال سيد البشر صلى الله عليه وسلم: “إذا مات الميت تبعه ثلاث: أهله وماله وعمله يعود المال والأهل ويبقى العمل”. إن ملك الموت يقول للميت وهو على خشبة الغسل: يا ابن آدم أين سمعك ما أصمك؟ أين بصرك ما أعماك؟ أين لسانك ما أخرسك؟ أين ريحك الطيب ما غيرك؟ أين مالك ما أفقرك؟ فإذا وضعت في قبرك نادى عليك الملك يا ابن آدم جمعت الدنيا أم الدنيا جمعتك.. تركت الدنيا أم الدنيا تركتك.. استعددت للموت أم المنية عاجلتك.. خرجت من التراب بلا ذنب وعدت إليها وكلك ذنوب. فإذا ما انفض الناس عنك وأقبل الليل لتقضي أول ليلة صبحها يوم القيامة، ليلة لا يؤذن فيها الفجر، لم يقل المؤذن يومها حي على الصلاة، حي على الفلاح!! انتهت الصلاة وانتهت معها العبادة.. بل والعبادات جميعها.. يا ابن آدم رجعوا وتركوك في التراب، دفنوك ولو ظلوا معك ما نفعوك، ولم يبق لك إلا الحي الذي لا يموت!! يا ابن آدم من تواضع لله رفعه.. ومن تكبر وتغطرس وضعه الله وأذله.. والسؤال الذي أطرحه هنا يا ابن آدم تخيل نفسك مكان المدفون تحت الثرى.. تخيل نفسك في ظلمات القبر.. تخيل نفسك وأنت تستعد للسؤال.. تخيل أهلك ومحبيك يضعونك في القبر ومن ثم يرحلون وأنت تسمع قرع نعالهم ولا تستطيع مناداتهم والخروج إليهم واللحاق بهم. هل سألنا أنفسنا جميعاً: ماذا صنعنا في هذه الحياة؟ وماذا جهزنا لهذا اليوم؟ وهل فعل الخيرات أحب وأسهل من فعل المعاصي؟!! هل راجعنا وحاسبنا أنفسنا قبل أن نحاسب؟ هل ظلمنا الآخرين؟ هل سعينا بين الناس بالنميمة والقيل والقال؟ هل افتكرنا الفقراء والمساكين والمحتاجين؟ هل أدخلنا السعادة والسرور والبسمة إلى وجوه الآخرين؟ هل عملنا لما بعد الموت؟ هل أغضبنا أحداً؟ هل فكرنا بأن هذه الدنيا لا تدوم لأحد؟ هل فكر الإنسان الذي يلبس النظيف ويركب الجديد ويحمل الشهادات العليا بأن ذلك سيحاسب عليه وعلى كل صغيرة وكبيرة مصداقاً لقول الله تعالى: (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره)؟ القبر يا سادة إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار. إننا بحاجة إلى من يرشدنا وينصحنا ويوجهنا بدلاً من أن نسير إلى الهاوية. وإن المرء لو فكر ملياً وسأل نفسه ماذا يحمل في معدته ويسير بها هنا وهناك لراجع نفسه مرات مرات وترك الملذات الزائفة وعمل ليوم تقشعر منه الأبدان، يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه، يوم ترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد!! وعلينا أن نتذكر بأنه لا جليس لنا في قبورنا إلا أعمالنا التي عملناها في الحياة الدنيا. يجب أن نتخيل أنفسنا جميعاً بعد ليال من وجودنا في قبورنا وقد تمزقت أكفاننا، وتغيرت رائحتنا، وسرى الدود في أجسادنا، ونتذكر الرجل (قبيح) الوجه الذي سيأتينا في قبورنا فيقول لنا ابشروا بالذي يسوءكم هذا يومكم الذي كنتم توعدون. فنقول له: من أنت؟ فوجهك يجيء بالشر.. فيقول: أنا عملك السيء!! أجارنا الله وإياكم من عذاب القبر وظلمته.. ألا يجدر بنا بعد هذا أن نتدبر ونتناصح فيما بيننا فالدين النصيحة والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل. همسة: قال الشاعر: كل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوماً على آلة حدباء محمول