سبحان الله الذي أودع في رمضان الفضيل عبق نسمات طاهرة مختلفة , تفوح روحانية وضياء , تشع أنوارا وبهاء , أنها نسمات شهر أودع الله فيه فريضة الصيام وهي الميزة التي يتباهى بها هذا الشهر دونا ًعن باقي الأشهر , كما أودع فيه ليله خير من ألف شهر , ليلة تتنزل فيها الملائكة بإذن الواحد الأحد لتفترق في كل أمر , ليلة هي سلام حتى مطلع الفجر . فكيف ترى الناس يختلفون في الإقبال على هذا الشهر , وكيف ترى تفاوتهم في إتقان الإقبال على الله والتوجه إليه والالتزام بفريضته , فترى منهم المقبل بلا قلب ولا عقل , ومنهم المقبل بحب , ومنهم المقبل برجاء وتضرع بأن يكون هذا الشهر شاهدا وشفيعا له في دنياه وآخرته . وفي استعراض سريع للصيام وفوائده الجمة , نجد الفريضة الربانية المهذبة للسلوك الإنساني , والمربية للنفوس , والمعالجة لأمراض النفس والجسد , فصيام الجسد والجوارح ما هو إلا إمساك عن كل مفطر من قبل طلوع الفجر وحتى غروب الشمس ؛ مما يساعد الإنسان في السيطرة على الذات والتغلب على الشهوات والامتثال لأوامر الله وأداء عباداته على الوجه المطلوب منه . هذا وإن الاستمرار على ضبط النفس لمدة شهر كامل ما هو إلا وسيلة تدريبية ستودي بلا شك إلى تعليم المسلم قوة الإرادة , وصلابة العزيمة , ليس في العبادة فقط وإنما في سائر سلوكه العام . وبما في ذلك تنمية الضمير الإنساني الرباني واستشعار رقابته في كل زمان ومكان وفي كل موطن من مواطن العمل والحياة . ويقول محمد عثمان النجاتي في كتابه الشهير ( القرآن وعلم النفس ) : إن الصيام تدريب للإنسان في الصبر على الجوع والعطش والامتناع عن الشهوات , بحيث يقوم بعد ذلك بتعميم هذه الخصلة التي تعلمها من صيامه على جميع نواحي حياته الأخرى , فيتعلم الصبر على تحمل مشاق السعي وراء الرزق , وآلام المرض , ومتاعب الحياة ومشكلاتها . ويعد الصبر هو مفتاح العمل والكفاح من اجل تحقيق الأهداف في مختلف الميادين العلمية والعملية؛ فالصبر والمثابرة مرتبطان بقوة الإرادة, والمسلم الصابر هو الذي لا تثبط همته ولا تضعف عزيمته مهما لقي من مصاعب وعقبات فإرادته تمكنه من تحقيق الأعمال العظيمة والأحلام العالية . ومن فوائد الصيام النفسية والاجتماعية مظاهر التكافل بين الأغنياء والفقراء , واستثارة عواطف الرحمة والشفقة فيما بينهم , بالإضافة إلى المظاهر الدينية المتجسدة في صلاة القيام والتهجد وروعة أصوات المساجد والتي من شأنها تعزيز الهوية الإسلامية بين المسلمين في كافة البلدان والأقطار . أيها القارئ الكريم لا تدع هذا الشهر يمر كأي شهر آخر واغتنم فيه الفرص لتتقرب من الله عز وجل , وأدِ فروضه على الوجه الأكمل , ولنتعلم جميعنا من فروض ديننا ما يجعلنا قدوة صالحة في وطننا ومجتمعنا . وقفة لنرتقي : عن ابي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله علية وسلم : ( الصيام جُنة ؛ فإذا كان أحدكم صائماً فلا يرفث ولا يجهل, فإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل : إني صائم مرتين. والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك, يترك طعامه وشرابه وشهواته من أجلي, الصيام لي وأنا أجزي به , والحسنة بعشرة أمثالها ) رواه البخاري وأبو داود .