جهود سعودية لإعادة سوريا للواجهة وتحقيق أمنها وسيادتها    بيدري: الكلاسيكو يمنحنا الحماس لتحقيق اللقب    أمانة الشرقية تطبق حلولًا مستدامة في مشاريع الطرق    أمير الرياض ونائبه يعزي وزير السياحة في وفاة شقيقته    أمير الرياض يستقبل سفير كينيا المعين حديثًا لدى المملكة    نائب وزير الخارجية يلتقي وزير الدولة للشؤون الخارجية والعالمية بمملكة إسبانيا    البريك تعزي عضو الجمعية العمومية الشباج في وفاة زوجها    استولوا على أكثر من 2.8 مليون ريال.. شرطة منطقة مكة تقبض على محتالي سبائك الذهب المزيّف    بعد عاصمة ولاية الجزيرة.. الجيش السوداني يسيطر على مجمع «الرواد»    برعاية الملك.. انطلاق "مؤتمر الحج 2025" في جدة.. غداً    المراعي تحقق نجاحاً في تطبيق حلول (SAP) لدعم التوسع الاستراتيجي    استشهاد وفقدان قرابة 5000 فلسطيني شمال قطاع غزة    ميل جيبسون يفجّر مفاجأة: مؤامرة وراء حرائق لوس أنجليس!    أمير الشرقية يطّلع على التقرير السنوي للهيئة العامة للولاية على أموال القاصرين    مركز القلب بمستشفى الملك فهد الجامعي يحقق إنجازًا جديدًا في علاج أمراض القلب والرئة المعقدة    «الصحة العالمية»: تسجيل أكثر من 14 ألف حالة إصابة مؤكدة بجدري القرود في أفريقيا    زلزال بقوة 4.8 درجة يضرب وسط إثيوبيا    تجربة استثنائية لمشاهدة أسرار مكة والمدينة في مهرجان الخرج الأول للتمور والقهوة السعودية    مركز الملك سلمان للإغاثة يحصد 5 جوائز دولية خلال عام 2024    المياه الوطنية تشرع في تنفيذ حزمة مشاريع لتطوير الخدمات البيئية بجدة ب42 مليون ريال    وزراء خارجية جمهورية العراق وتركيا يصلون إلى الرياض    جدل بين النساء والرجال والسبب.. نجاح الزوجة مالياً يغضب الأزواج    5 طرق لضبط مخاطر مرض السكري    خبير أرصاد: بدأنا موسم «الرياح الماكرة»    40 شاعراً وأديباً من 15 دولة يشاركون في «فرسان الشعري»    10 مليارات لتفعيل الحوافز المعيارية للصناعيين    أمير القصيم يشكر المجلي على تقرير الاستعراض الطوعي المحلي لمدينة بريدة    نجوم لبنان يتنفّسون الصعداء ويحتفلون بانتخاب الرئيس    30 يومًا لهوية مقيم للخروج النهائي    منع مرور الشاحنات من طريق السيل الكبير    برامج لذوي الإعاقة    شرطة للنظافة في «الدار البيضاء»    تبرعوا بالأقراص وشاركوها    في ختام الجولة ال 16 من دوري" يلو".. الطائي يستضيف أبها.. والعين يواجه الفيصلي    يعود تاريخ صنعها إلى أكثر من 60 عامًا.. السيارات القديمة تثري فعاليات مهرجان «حرفة»    «مجيد».. ليلة من تفرد الغناء    ثنائية نوال ورابح صقر.. الطرب في أعماق جدة    الهوية ودورة الحياة للمكون البصري    من بلاغة سورة الكهف    «الصخر الشاهد» .. رفع الوعي بالثروات الطبيعية    الزعيم العالمي خماسية وصدارة.. الفيحاء يفرمل العميد.. السكري يسدد فاتورة الكأس    تحية لسالم الدوسري    وفاة والدة فهده بنت فهد آل سعود    «جوجل» تتيح إنشاء بودكاست شخصي    الرياض تستضيف الاجتماع الدولي للوزراء المعنيين بشؤون التعدين    وصول الطائرة الإغاثية التاسعة مطار دمشق.. مركز الملك سلمان يواصل مساعداته الإنسانية للمناطق السورية    «الغذاء والدواء»: احذروا «ببروني»    فصيلة دم «o» أقل عرضة لأمراض القلب    متى نقترب من النسبة الصفرية للبطالة ؟    جوارديولا: ووكر طلب الرحيل عن مانشستر سيتي    هل أشرقت شمس النصر الجديد؟    ماتياس والرئيس    نائب أمير حائل يستقبل رئيس "مُحكم لتعليم القرآن"    «اسلم وسلّم».. توعية سائقي الدرّاجات    الديوان الملكي: وفاة والدة الأميرة فهدة بنت فهد بن خالد آل سعود    للمملكة أهداف أنبل وغايات أكبر    القائد الذي ألهمنا وأعاد لنا الثقة بأنفسنا    محافظ الطائف يستأنف جولاته ل«السيل والعطيف» ويطّلع على «التنموي والميقات»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفيصل.. يهدي أهالي الطائف عين شبرا وعين الشريعة من أملاكه
كان يتفقد البلاد والعباد تأسياً بالخلفاء الراشدين الفيصل : عيال فيصل كلامهم واحد وإذا قالوا التزموا الملك فيصل.. هو صاحب مشروع مياه مكة الكبير
نشر في الندوة يوم 11 - 05 - 2008

في الحلقة المنشورة يوم أمس السبت تحدثنا عن الرؤية.. والرؤية السياسية والإدارية والتنظيمية للمملكة ودور الملك فيصل الذي اعتبرته الدراسات السياسية والتاريخية أن الملك فيصل هو المؤسس الثاني للمملكة العربية السعودية في العصر الحديث بعد مؤسس الكيان موحد الأمة المغفور له بإذن الله الملك الصالح عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود.
وعرجت أيضاً على بعض مشاهداتي لجلالته في الطائف يوم كانت الطائف هي مصيف الدولة والمكيين.. وفي هذه الحلقة أسجل بعض مما شاهدته أو سمعته.. محاولة في الاسهام في جمع التاريخ الشفهي عن هذا الملك العظيم تغمده الله بواسع رحمته.
قيل قديما الطائف بستان مكة المكرمة ..والمكيون يقضون صيفهم فيه ، فالعلاقة بين مكة والطائف وثيقة وعميقة من الجوانب التجارية أو النسبية وهي العاصمة الصيفية للحجاز وقد اتخذها الملك عبدالعزيز تغمده الله برحمته العاصمة الصيفية للدولة إلى أن توفي بها رحمه الله في الثاني من شهر ربيع الأول عام 1373ه ، الموافق 9 نوفمبر 1953 واستمرت عاصمة صيفية للدولة من بعده.
وشهدت في صيف الطائف مع بداية الثمانينات وفي عهد الملك سعود كيف كان الطائف مصيفاً يلبي احتياجات المصطافين وحفلات استقبالات الملك أفرزت لنا العديد من الفنانين ومنهم الفنان الكبير طلال مداح والفنان المدرسة عبدالله محمد وغيرهما يتقدمهم الفنان الكبير العميد طارق عبدالحكيم غير ان ذلك الوضع لم يستمر وخاصة صيف 1383ه - 1963م بسبب الظروف السياسية القائمة بين مصر والمملكة وما تبعها بعد ذلك بما حدث في اليمن ووصول الأسرة اليمنية المالكة إلى الطائف واستضافة المملكة لها .وما تسبب بذلك من اختلال امني بسبب التفجيرات التي حدثت في بعض الفنادق والمناطق.
كنا في بيت طائفي مكون من أربع غرف وديوان مبني من الحجر وموقعه في شارع الجيش وله بابان باب امامي على شارع الجيش واما دكة مفروشة بالحصوة وباب للديوان يفصل بيننا وبين بيوت آل الشيبي ..وهذا الطريق كان طريق الملك فيصل رحمه الله , في طريقه إلى أخته سمو الأميرة سارة في الوقادية أو بعد صلاة العصر إلى الدكة الملكية في شهار إلى صلاة المغرب ..وكانت مشاهداتي مستمرة في كل الأوقات ..وكنت أحرص أن أكون على دكة البريد مع حسن زقزوق أو عند بقالة أبو محمود وذلك لأتمكن من رؤيته مباشرة.
وفي الطائف كانت سمراتنا تستمر إلى بعد صلاة الفجر ..لنقضي باقي النهار في النوم إلى الضحى، وكان من مجموعتنا الأخوة والزملاء مع الاحتفاظ بمراتبهم الوظيفية ورتبهم العسكرية ومنهم الأخ عبد الملك آل الشيخ وخالد بن عيدان وآل الشيبي وعبدالسلام ريس وفخري وأحمد نائب الحرم ومحمود عاشور وغيرهم وكنا قرابة الفجر نذهب إلى مسجد برحة القزاز من أجل أن نلحق الفطور ، قشطة عند عبدالحفيظ ونقفل بالفول عند العم باعارمه وعنده جميع أنواع (اللدو مع الفول كما يقول).
وذات ليلة لحقت بنا سيارة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقت القبض علينا ونحن نطرد الأخ محمود عاشور الذي كان مرتدياً فستاناً نسائياً والأخ أحمد نائب الحرم يرتدي بدلة عسكرية أما أنا وخالد عيدان وعبدالملك آل الشيخ فكنا نرتدي الثياب المدنية حتى وصلنا إلى مخفر الشرطة وبعد التحقيق ومشاهدة فخذة الخروف الهارب بها الأخ محمد عشور ولا يمكن لسيدة أن تهرب بمثل هذا المنظر أقفل التحقيق وعدنا إلى سمرنا.
وفي الليلة الثانية ذهبنا إلى عم عبدالحفيظ وباعارمه وجلسنا في مقهى غازي العصيمي .
وفي بعض الأحيان كنا نشاهد رجلاً يسير في الأسواق ليلاً قبل الفجر وأحياناً بعده بقليل ولا يظهر من وجهه سوى البريق من عينيه الغريبتين بين أنفه وكثيراً ما كنا نتحدى بعضنا أنه أشبه ما يكون بالملك فيصل ولو أظهر شيئاً من وجهه ولعرفنا، لكن هذا الرجل يحمل باكورة في يده ينبش بها الأكوام وخلفه رجلان يمشيان خلفه من بعيد ..لكنى وأصحابي لم نكن متأكدين من الأمر وفي يوم ذهبت مع والدى إلى منزل الشيخ عبدالله المهنا رئيس بلدية الطائف وكان منزله خلف منزل الشيخ عبدالوهاب مؤمنة في حي السلامه أمام منزل الشيخ محمد سرور الصبان الحديد.
قال الشيخ عبدالله المهنا: اليوم فاجأني الملك فيصل بقائمة من الملاحظات منها ما كان في السوق امام دكان القاضي وفي زقاق مكتبة كمال وعند ملتقى مسجد الهنود مع سويقه وامام باعارمه وعند برحة عبدالحفيظ وعند مكتب الهيئة وفي زقاق باعة العيش ..ملاحظات ما وجدتها في تقارير مراقبي البلدية.
قال والدي: وكما أنا أستلمت قائمة ملاحظات عن بازان برحة الزرقي وبازان العزيزية وعن شيب الوايتات وعن تسرب المياه من بعد القسامات ،وطال الحديث واستقروا في النهاية على أن الملك فيصل يقوم بجولات تفقدية بنفسه في أي مدينة يكون فيها ..ويدخل بعض الحارات والازقة وكثيراً ما كانت جولاته تخيف المسؤولين.
هم يتحدثون وأنا أحاول استرجاع صورة ذلك الرجل (الملثم) صاحب الباكورة (العصاه) الذي يتفقد الأسواق ..فإذا هو الملك فيصل الذي كان يعرف (البشك) ومن فيها ..وماذا يفعلون أو يغنون وعن الأسواق ومخلفاتها ..كان الملك فيصل يتفقد كل كبيرة وصغيرة ولا تنام عيناه عن شواردها ..كان أقرب في افعاله إلى الخلفاء الراشدين وإلى عمر بن عبدالعزيز ..تغمد الله الفيصل برحمته واسكنه فسيح جناته.
الفيصل ومياه الطائف.. ووالدي
اشترى الملك فيصل رحمه الله يوم كان نائباً عن الملك في الحجاز بعض العيون في الطائف ومنها عين (الشريعة) وجلبها إلى قصر العقيق.. وعيوناً أخرى، وكان المشرف على قصر الطائف الشيخ عبدالمحسن العنقري أو محيسن العنقري على ما أظن وكان رجلاً من خيرة الرجال.. فهو اختيار فيصل.. وكان يهتم بكل غرسه أو شجرة في بستان القصر لأني كما علمت سماعاً أن كل شجرة في البستان هي من اختيار الملك فيصل شخصياً وأنه جلب إلى هذا البستان الغريب من الأشجار والجديد من الثمار مالم تكن في الطائف.. وقد رأيت تلك الثمار وطعمتها مثل الكمثرى والعنب الأحمر والنجار العجمي وغيرها وكان الشيخ العنقري يهدي والدي منها.. مثل اهداءات القصر لبعض المسؤولين غير أن البستان لم يعد بحالته الجيدة والطبيعية كما كانت عليه ولم يعد غير البئر مساعداً مع ما يصل من العين إلى البستان.. وفشلت جهود خبراء وزارة الزراعة وأجمعوا على أن المشكل يكمن في قلة كمية المياه مع قلة في الأمطار.
ولما كان الملك فيصل رحمه الله معنياً بتوفير المياه للطائف فقد كلف والدي بالاشراف على عين الطائف التي كان يرأسها الشيخ علي قاضي ويساعده الأخ عبدالرزاق كمال.. إلى أن أحيل الشيخ علي قاضي إلى التقاعد كلف والدي رسمياً أن يكون مديراً عاماً لعين زبيدة ومشرفاً على عيون الطائف ثم المدينة المنورة.. وفي الطائف طلب الملك فيصل البحث في موضوع عين الشريعة القادمة من المثناة إلى قصر العقيق.. وبدأ الوالد الشيخ ماجد عمر فيروزي بتكليف غطاسي العيون في عين زبيدة بالطلوع إلى الطائف وتقصي مجرى العين وكان منهم الأخ عائض القرشي الشهير بالأجرب ومعه الأخ عبدالله النجراني وهو حي يرزق اضافة إلى بعض الموظفين المنتدبين ومنهم الأخ جعفر عارف والأخ شاكر سليمان شكوري الذي أصبح وكيلاً مساعداً في إمارة عسير واكتشف فريق الغطس والتفتيش أن مجرى العين قد حول إلى مسار آخر لزيادة ري بعض البساتين وهو في عرف أصحاب العيون (سرقة العين) وبينما كان الوالد يتابع أعمال الاصلاح وهو عائد فإذا بطلقات نارية (من بنادق صيد أو شوزن) صوبت بها سيارة الوالد من جهته وفي البابين الأمامي والخلفي.. ولم يصب الوالد بأذى وإنما تأثرت السيارة البلايموت موديل 84 البني عاد الوالد إلى المنزل ولم يذهب ذلك المساء إلى القصر.. وبعد انتهاء مجلس الملك فيصل اتصل بالوالد بعض المسؤولين في القصر يهنئونه بالسلامة وأنهم علموا بالخبر في مجلس الملك فيصل.. وأن الملك كان منزعجاً وأنه لن يترك الأمر يمر ببساطة. الأمر الذي جعل الوالد يتوجه من الصباح الباكر أي الساعة الثانية صباحاً بالتوقيت الغروبي الثامنة بتوقيتنا الزوالي الآن.. وما أن وصل الملك فيصل في موعده إلى قصر شبرا وصعد إلى مكتبه وصعد معه بعض المسؤولين وكان والدي من بينهم فإذا بالمسؤولين عند باب المكتب طلبوا من بعض المسؤولين عدم الدخول خلف الملك على غير عادته لكنهم سمحوا لوالدي.. وما إن دخل إلى المكتب حتى رأى بعض أصحاب المزارع الذين كانوا يستفيدون من الماء المحول. واقفين كأن على رؤوسهم الطير وإذا بالملك فيصل يتوعد من يصيب ماجد فيروزي بأذى فإن فيصل هو خصمه وأن ماجد ما جاء من مكة وترك عمله من تلقاء نفسه وأنه مكلف من الملك شخصياً.. وتحدث الملك فيصل أكثر من عشرين دقيقة وهو المشهور له ببلاغة الكلمة واختصار الموضوع.. وأخيراً قال الفيصل: من اعتدى على ماجد أو أحد ممن يعملون معه فهو اعتداء عليّ شخصياً والحاضر يبلغ الغائب وقد أعذر من أنذر.. وذهب الجميع إلى مكتب الشيخ صالح العباد ليوقعوا اقراراً بذلك.. ووالدي واقف كل هذه المرة مستغرباً فيما يسمع.. فرح بثقة الملك وخائف منها (لأنه فيصل) الذي يحبونه الحريصون على ثقته.. وقربهم منه حتى إذا استأذن لم يوجهه الملك بكلمة مكتفياً والدي وفرحاً بدعاء الملك له.
استطاع والدي بتوفيق الله ثم بدعم الملك فيصل وبجهود الرجال المخلصين معه أن يعيدوا مياه عين المثناة (الشريعة) وعين (شبرا) وعين العقيق.. وإصلاح كل العيوب.. حمل والدي إلى الملك فيصل التقارير المخبرية والتقارير الفنية وأن العيون في أحسن حال.
فتوج والدي بدعاء الفيصل العظيم له ولمن معه من الرجال المخلصين ثم أخبر الملك فيصل كل من في المجلس وطلب منهم أن يشهدوا على قوله في الدنيا والآخرة.. ثم أنبأهم بخبر اصلاح العيون وأنه قد أهداها لأهالي الطائف والمصطافين هدية محبة وأن كل ما أنفق على إصلاحها من أموال ومن حساب وخزينة جلالته فهو يحتسب ذلك عند الله عزوجل.
ذلك يوم مشهود وموقف من مواقف ذلك الملك العظيم.. تغمده الله بواسع رحمته.
الملك فيصل ومشروع مياه مكة المكرمة الكبير
منذ أن كان الملك فيصل نائباً عن والده الملك عبدالعزيز في الحجاز وهو معني بتوفير المياه لسكان أم القرى وحجاج بيت الله الحرام وكان الملك فيصل هو أعرف الناس بكل التفاصيل الدقيقة عن مكة المكرمة وجبالها وشعابها ووديانها ويعرف سكان تلك المناطق معرفة العالم المحقق والخبير المدقق.. فما بالكم بمكة المكرمة وحاراتها وأزقتها ودحلاتها وشعابها والنزلاء فيها. حتى يخال السامع ينسى أنه أمام (النائب العام) لدقة تفاصيل معرفته حتى بكثير من الأسر المكية وقد تصل معرفته بالأسرة أنه يعرف اسماء رجالها ونسائها وشبابها وشاباتها وكل أفراد الأسرة.. ولهذا فلا غرابة أن يعرف (النائب العام) الملك فيصل بأسواق مكة المكرمة وحلقاتها ومنشياتها.. ومصادر المياه من آبار وبازانات وغيرها.. ولهذا نجد اهتمام مجلس الشورى والكثير من القرارات المهتمة بشؤون مصلحة عين زبيدة أو هيئة عين زبيدة كما كانت تسمى.. ولهذا جاءت اصلاحات الدولة لهذا المرفق الحيوي المهم.. خاصة في موسم الحج الذي تستنفر فيه الدولة كل مرافقها وأجهزتها ولما كانت هيئة عين زبيدة هي الجهة المسؤولة عن المياه وهي من الإدارات التابعة للنيابة العامة وزارة الداخلية فيما بعد والذي يترأسها سمو النائب العام (الملك) فيصل.. فكانت مشكلة توفير المياه هي الهاجس الأكبر وهو المتابع لها عند شراء الملك عبدالعزيز لعين وادي نحلة والشرائع والتي سميت فيما بعد بالعين العزيزية المضافة إلى عين زبيدة ثم في عهد الملك سعود وشراء عين المضيق وجلبها إلى مكة وتسميتها بالسعودية ..لكن الملك فيصل كان يبحث عن حل جذري أو طويل المدى على الأقل ..ولهذا عندما آل الأمر إلى الملك فيصل وبرغم كل الظروف السياسية الحرجة والصعبة التي تمر بها المنطقة العربية والإسلامية وخاصة المملكة المتصدية للغزو الايدلوجي الشيوعي ومواجهة الخروقات الأمنية المتمثلة في جبهتين الأولى انزال بعض الأسلحة والمنشورات في بعض المناطق والجانب الآخر ما تسببه اشكاليات اليمن وصراعاته القبلية ..وطموحات الرئيس جمال عبدالناصر وبرغم ما كانت تعاني منه خزينة الدولة ..كان الملك فيصل يفكر جيدا في ايجاد الحلول لكثير من الاشكاليات وأهمها توفير احتياجات حجاج بيت الله الحرام ..ومنها توفير المياه ولهذا كلف سمو وزير الداخلية سمو الأمير (الملك) فهد باعداد دراسة كاملة وافية عن توفير أكبر كميات من المياه مع المنظور إلى خمسين سنة قادمة مع التوقيع في زيادة أعداد الحجاج ..وكلف سموه وكالة وزارة الداخلية لشؤون البلديات بتنفيذ الأمر السامي بالتنسيق مع مصلحة عين زبيدة ، وتعاقدت الوكالة مع شركة (واطسن) البريطانية لعرضها الأفضل ولوجود عدد من المهندسين المسلمين لديها من أصول باكستانية وقامت الشركة بدراساتها ولكنها تجاهلت ملاحظات مدير عين زبيدة الشيخ ماجد فيروزي ..فرفعت الدراسة إلى الملك فيصل فسأل أسئلته التي أعادت الدراسة إلى الوكالة والتأكيد على ضرورة التنسيق مع مدير المصلحة ماجد فيروزي لأهمية معرفته وخبرته ب (ديرته) الأمر الذي أزعج الشركة البريطانية في الوقت الذي استدعى فيه الملك فيصل والدى لمعرفة الأسباب وعدم التعاون مع الشركة في الوقت الذي استدعى فيه المهندس اليوغسلافي المسلم يوسف باشكدش وكان من المكلفين من الأمم المتحدة لتخطيط المدن في جدة بموجب اتفاقية التعاون بين المملكة والأمم المتحدة كان الملك فيصل يناقش والدي مناقشة الخبير بمصادر المياه العارف بالأودية المغذية ومصادر المياه معرفة أذهلت المهندس يوسف باشكدش اليوغسلافي الذي سأل والدي أن من كانوا يحدثونه أهو الملك فيصل أم هو الجيولوجي أو الخبير الجغرافي فيصل بن عبدالعزيز.. لم يقف الأمر عند هذا الحد لكن إرجاع المشروع إلى الشركة لاعادة الدراسة أزعجت رئيس مجلس ادارة الشركة الذي قدم إلى جدة ليرى ذلك البدوي الذي ربط الملك موافقته بعد دراسة الأمر معه ..حضر إلى جدة مجموعة من العاملين في الشركة بين مهندسين ومهندسات واداريين واداريات وسكرتيرة عامة زاد عددهم عن خمسة وعشرين عضوا ..فاستقبلهم والدي في (فندق النهضة) بشارع الميناء وهو فندق من الدرجة الرابعة ومتواضع جداً ولم يكن معه سوى المهندس يوسف باشكدش ومهندس العين هلال اليوسفي السوري الجنسية ..وفي ذلك الفندق دارت المفاوضات ونوقشت الدراسات الفنية وقد حضرتها مع والدي وتمخضت المناقاشات عن تعديل الكثير من مسار ونقاط المشروع الذي سمي (مشروع مياه مكة الكبير) والذي اشتمل على دراسات ميدانية وحقيقية واقعية للاستفادة من كل مصادر المياه الطبيعية الموجودة حول مكة المكرمة ولخمسين سنة قادمة ومع كل تلك المناقشات كانت لوالدي بعض التحفظات التي ذكرت في مقدمة التقرير الفني الذي اعيد اعداده لرفعه لجلالة الملك فيصل -رحمه الله - من قبل وكالة وزارة الداخلية لشؤون البلديات التي كان يرأسها سعادة الأستاذ عبدالله السديري ..وافق جلالة الملك فيصل على المشروع مع الأخذ في الاعتبار ما ورد فيه من تحفظات وكان أهمها توفير مصادر اضافية لتغطية شمال مكة المكرمة - رحم الله فيصلاً فقد كان هاجسه الذي لا يتوقف ..فمكة تعيش في نبض الفيصل وتجري في عروقه مجرى الدم.
الملك فيصل وشراء عين القشاشيه
كان توفير المياه لمكة المكرمة من أهم العوامل التي كانت تشغل تفكير الملك فيصل لما لها من تأثير على راحة حجاج بيت الله الحرام الذين تزايدت أعدادهم في عهده نظره لتحسين واتساع العلاقات الأخوية مع معظم الدول الاسلامية والدول ذات الأقليات الاسلامية اضافة إلى اجتذاب معظم الدول الافريقية ..والماء دائماً هو من أهم المطالب الاساسية في دورة الحياة العامة ، وأصبحت الأحياء الجديدة التي أخذت تتسع توسعاً أفقياً وخاصة في حي الشهداء والزاهر والنزهة وشارع المنصور ..وبشكل عام يمكن أن نقول هي الأحياء التي امتدت على طول امتداد وادي (سرف) والأودية الرديفة والمغذية له داخل مكة ومنها طريق العشر ووادي جليل ، إلى ان تصل إلى أم (الدود) أم الجود والمتمثلة في طريق مكة جدة القديم ..ولم تعد الآبار الموجودة تفي باحتياجات الناس وكذلك فإن المنازل لم تعد تستلطف جلب المياه بالوايتات بعد أن أصبحت معظم منازل مكة مزودة بخطوط تغذية للمياه ..تلك الأوضاع فرضت العودة إلى الدراسات القديمة وتحديث معلوماتها فكان من نتائجها شراء عين القشاشيه القريبة من الوادي في الشمال ..وان عين القشاشيه هي في الأصل عين لبستان سمو الأمير عبدالله الفيصل ..وأنه سبق وأن قدرت بمبلغ 9 ملايين ريال لكن مضى على ذلك التقدير أكثر من عشر سنوات ..وقد أنفق سمو الأمير عبدالله الفيصل عليها الكثير لتكون مزرعة نموذجية مما أدى إلى اصلاح مصادر مياه العين ..في نفس الوقت فان اسعار العقارات والمزارع في هذه الفترة قد ارتفعت .وبعد الدراسات التي اجريت قررت لجنة التقدير برئاسة الشيخ عبدالله كعكي وعضوية الشيخ غازي بن ظافر وعدد من أصحاب الخبرة رفع قيمة التقدير إلى 15 مليون ريال ولو أنهم يطمعون كقول الشيخ سراج بنا في كرم سموه ليكون المبلغ 12 مليون ريال وهو ما في وسع وزارة المالية دفعه.
علم سمو الأمير عبدالله الفيصل بما دبر لعين القشاسيه ولم يحدث أحداً في الأمر ..وذات مساء كان سموه يتناول العشاء عند والده بقصر الحمراء بجدة وكان والدي من ضمن من حضر للسلام على جلالة الملك فيصل .وبعد ان غادر الجميع وخرج الملك فيصل من صالة الطعام وهو آخر القائمين ..فلم يبق في معية جلالته سوى الخاصة وفى مقدمتهم سمو الأمير عبدالله الفيصل .. فسأل جلالته والدي عما تم في تأمين مصدر مياه من شمال مكة وان الموسم على الأبواب أدرك والدي أن الأخبار قد وصلت إلى علم جلالته والسؤال إنما هو بذكاء الملك فيصل المعهود فما كان من والدي إلا أن أخبر جلالته أن أفضل مصدر هي عين القشاشيه وان تقديرها 12 مليون ريال ..فسأل جلالته سؤال العالم ..أليست هي ملك عبدالله الفيصل ..رد والدي بنعم قال وقبل كم سنة كان لها تقدير ..قال والدي نعم قال كم قال والدي 9 ملايين ريال لكن يامولاي الاسعار ارتفعت وبتقدير اللجنة الفعلي السعر هو 15 مليون ريال ونطمع في كرم سموه ، وسمو الأمير عبدالله لم يعقب أو يشرح .. فقال جلالته وكان موافقاً بالتسعة ملايين رد والدي بنعم فقال جلالته وكلام عيال فيصل كلامهم واحد واذا قالوا التزموا، وتشترى بالتقدير الأول ، وهي لمكة ومكة تستاهل منا الكثير ..فأراد سمو الأمير عبدالله أن يعقب ليشرح لجلالته فقال جلالته ياعبد الله قال سم ياطويل العمر هي منكم لمكة وأهلها وتم شراء عين القشاشيه بمبلغ 9 ملايين ريال بدلاً من 15 مليون ريال ، وهكذا كان جلالة الملك فيصل بن عبدالعزيز يؤثر مصالح البلاد على نفسه وأولاده ..رحم الله فيصلاً رحمة الأبرار.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.