في الوقت الذي تراجع فيه مستوى الشعر الأصيل ، وانزوى الفن الجميل ، مما جعل البعض يردد - بدون وعي - أن الشعر زالت دولته ، ولم يعد فن العربية الأول ، وأن هذا (زمن الرواية) أقول: في هذا الوقت بالذات ، يقدم الشاعر المصري الشربيني محمد شريدة ، أعزب قصائده لعشاق الشعر ، ويعزف أرق أشعاره على وتر الفن واللحن الجميل. ولم لا؟! فهو شاعر مطبوع ، أي أن موهبته تفوق ثقافته بمراحل - حسب توصيف النقاد - وقد صدر له من قبل ديوان شعر حمل عنوان (كتاب السيف والثورة) ، التي جاءت قصائده كشرح وتفسير للعنوان الموسوم به الديوان ذاته ، وقد أشاد به الأدباء والنقاد ، وأجمعوا كلمتهم على مقدرة صاحب الديوان الأدبية ، وبراعته الفنية ، وشفافية ذائقته الوجدانية ، في عصر علا فيه ضجيج الحداثيين ، وعبيد الشعر الحر واخوانهم في (الرضاعة)!. وقبل أن تنطفئ جذوة ذلك الديوان الأول ، فإذا بالشاعر يفاجئنا بديوانه الجديد (أعراس الشهداء) ، الذي يعد امتداداً طبيعياً لتجربة الشاعر التي أبى ألا يبرحها في المضمون قيد أنملة ، لكنه - بطبيعة الحال - تجاوزها في طريقة المعالجة الفكرية ، إلى جانب الصياغة الفنية ، فلم يهد ديوانه إلى ليلى ولا هند ولا سعاد ولا لميس .. انما أهداه إلى (الشهداء) فجاءت بعض قصائده تقطر دماً ، وأخرى مغسولة بالدمع ، فيطوف حول جراح الأمة النازفات من القدس ، إلى الشيشان ، مروراً بالعراق ، ثم يعود إلى جراح فلسطين النازفة مرة أخرى ، فنراه يرثي قوافل الشهداء.