تواجه منظمة التجارة العالمية بدءا من يوم امس الاثنين ساعة الحقيقة الفعلية وبعد سبع سنوات كاملة من إطلاق ما يعرف بجولة الدوحة التجارية عام 2001م.ويعقد ممثلو أكثر من ثلاثين دولة سلسلة من الاجتماعات الحيوية والمهمة في مقر المنظمة في جنيف بهدف إنقاذ هذه الجولة وبلورة اتفاق عملي بين مختلف المجالات الاقتصادية والتجارية العالمية .ولكن مجمل المراقبين والخبراء يستبعدون تسجيل ثغرة حاسمة في هذا اللقاء بسبب تباين مواقف الأطراف المعنية وخاصة بين دول الشمال المصنعة ودول الجنوب المعتمدة بشكل رئيس على قطاع الزراعة.وقالت المفوضية الأوروبية في بروكسل عشية اللقاء العالمي في جنيف إنها تأمل ان يقبل كل طرف معني مباشرة بالمفاوضات بجملة من التنازلات التي من شأنها ان تصب لصالح الاتحاد الأوروبي والدول النامية وبالمعاملات المتعددة الأطراف والمبادلات التجارية نفسها.وقال مصدر أوروبي في بروكسل أمس إن مخاطر فشل لقاء جنيف الحالي تبدو فعلية وان إخفاق المفاوضين مرة أخرى من شانه التسبب في موقف صعب وقبل ثلاثة أشهر فقط من الانتخابات الرئاسية الأمريكية وما يحمله ذلك من احتمال نشوب حرب تجارية فعلية على الصعيد العالمي.وكانت العديد من الأطراف دعت صراحة إلى تجميد مفاوضات منظمة التجارة العالمية إلا إن مدير هذه المنظمة الفرنسي باسكال لامي رأى بعكس ذلك وفضل خيار ممارسة اكبر قدر من الضغوط على كافة الأطراف لجرها نحو القبول بجملة من التنازلات المتوازية في القطاعات الحساسة محل التفاوض والمساومات المستمرة.وترى مصادر المفوضية الأوروبية في بروكسل انه يجب توفر ثلاثة شروط رئيسة لنجاح المفاوضات التي انطلقت نهار أمس في جنيف وهي أولا إن على الدول الثرية في الشمال أن تخفض من دعمها للقطاع الزراعي تحديدا حتى تتمكن الدول النامية المتصاعدة الثقل في الجنوب مثل البرازيل والهند والصين من تسويق منتجاتها الزراعية.ويقدر الجهاز التنفيذي الأوروبي تخفيض الدعم المطلوب من الأوروبيين في القطاع الزراعي ليصل إلى 28 مليار يورو فقط بدل المائة وعشرة مليار يورو التي يقدمها الأوروبيون لمزارعيهم حاليا. وتؤيد المفوضية الأوروبية في بروكسل هذا التوجه ولكن مجموعة من الدول تتزعمها فرنسا داخل التكتل الذي يضم سبعا وعشرين دولة تبدي معارضة قوية لموقف المفوضية وتتهمها بأنها تنازلت عن قطاع حيوي بالنسبة لمستقبل القارة الأوروبية وإشكالية ضمان أمنها الغذائي.ويتمثل الشرط الثاني لنجاح المفاوضات في تخفيض عام تقبل به دول الجنوب ودول الشمال للرسوم المفروضة هذه المرة على المنتجات الزراعية وما يحمله من مخاطر لتسجيل خلل في المبادلات وإعاقة لوتيرة التنمية في عدة دول وخاصة في القارة الإفريقية.وفي المقابل فإن الشرط الثالث لنجاح المفاوضات التجارية العالمية يتمثل في قبول دول الجنوب بفتح أسواقها بشكل أفضل للمنتجات الصناعية لدول الشمال وهو طلب موجه تحديدا أيضا لكل من الهند والبرازيل والصين. كما ان العديد من الملفات المحددة والشائكة تظل عالقة على الصعيد الوطني لكل دولة ومنها رفض ايرلندا اي تنازل داخل التكتل الأوروبي لتمكين دول جنوب القارة الأمريكية من تسويق منتجاتها من اللحوم دون قيود في أوروبا كما ان اليابان ينتهج موقفا متصلبا بالنسبة لقطاع الأرز . ويقوم اليابان حاليا بدعم قطع زراعة الارز بواقع سبعمائة في المائة وهو رقم قياسي عالمي. أما الولاياتالمتحدة فإنها تريد حماية منتجاتها من القطن.وتتهم دول وسط القارة الأمريكية بدورها الاتحاد الأوروبي بانتهاج سياسة تمييزية مفتوحة ضد منتجاتها من الموز عبر تفضيل الموز القادم من المستعمرات الأوروبية في ما وراء البحار.وعلى صعيد تخفيض الرسوم الجمركية تعارض الصين التي انضمت الى منظمة التجارة العالمية عام 2001م تاريخ إطلاق جولة الدوحة هذا التوجه حاليا . وتردد دول جنوب القارة الأمريكية أيضا ان الدول الغنية في الشمال لا تبذل جهدا كافيا لإحداث توازن فعلي في المبادلات.وتعكس المصاعب الحالية المسجلة على مفاوضات منظمة التجارة العالمية صعوبة التأقلم على الصعيد العالمي مع قوانين العولمة بشكل عام.وحتى الدول التي كانت تدعو الى فتح اكبر للأسواق باتت تتزعم المبادرات الوقائية لاقتصادياتها.ووافق مجلس الشيوخ الأمريكي مؤخرا ورغم معارضة الرئيس بوش على تقديم دعم بقيمة 290 مليار يور للمزارعين الأمريكيين وهو ما دفع الرئيس الفرنسي ساركوزي الى فتح جبهة حقيقية ضد المفوضية الأوروبية في بروكسل واتهمها بالعمل على تدمير البنية الزراعية الأوروبية.وإذا فشل مدير منظمة التجارة العالمية باسكال لامي في إقناع الدول المائة والخمس والثلاثين الأعضاء بضرورة تفعيل آليات التجارة العالمية فان العالم قد يشهد للمرة الأولى ومنذ عدة سنوات بداية أفول العولمة . وتوجه الدول مجددا الى حماية اكبر لمصالحها الوطنية أي إلى مزيد من الوقاية والحماية وغلق الحدود.