المتابعون في الساحة قد يكونون من القراء وخاصة المهتمين بكتابات بعينها وإنه ليفرح الفارح أن يتصل به للزيادة أو الايضاح ولهذا السبب فقد اتصل بي رجال أقدرهم وهم الأستاذ ناصر الحمالي من وزارة التربية والتعليم والأخ العزيز ذياب بن جري وكيل محافظ محافظة تثليث والشاعر الأستاذ ضاوي بن خالد من العمارية يسألون بإلحاح عما ذكرته عن المواقع الإعلام في الجنوب الغربي والتي سبق وحددتها في إحدى مقالتي لهذا أقول: وادي (سحبل) واد في الجنوب الغربي رأسه يتعلق بجبال هناك تسمى بالجبال السود كما ان له روافد تتعلق بجبال (اللجم) المسؤول عنها وجبال السود هذه جبال ظاهرة اللون والطول واللجم جبال لونها أحمر محاذية للسود فيها نقر وقلات تجتمع فيها مياه الأمطار وتقع بالضبط بين وادي تثليث ووادي (العرين) ثم ينحدر سحبل ويصب في وادي (المربى) بفتح الميم وسكون الراء فباء وألف مقصورة ، والمربى هذا ملتقى للعديد من الأودية والشعاب ل(سحبل) كذلك (الحجف) الذي بدوره يأتي من جبل (الجعيفرة) حيث تشكل هذه الروافد مجتمعة غابة وأحراجا من الشجر والمربى في النهاية يصب في تثليث من جنوب غرب وبالتحديد بين بلدة الحمضة ومنهل (رغوان) وسحبل واد ظليل مكتظ بالعديد من اشجار السدر والسمر والسلم لأنه يتشكل من روافد عديدة منها شعيب (قرى) المنهل القديم الذي أصبح فيما بعد هجرة لآل العبد الحباب وقد كانت تسكنه قبيلة حمالة من قحطان وعندما انحدرت إلى نجد قال الشاعر العامي: ياونتي ونة جماعة احماله شربوا هماج عقب قرى وماها و(قرى) ترسم بضم القاف وتشديد الراء فألف لينة منهل جاهلي تردد ذكره في أشعار المذحجيين والعامريين .. يقول جعفر بن علبة الحارثي: ألهفى ب(قُرّى) سحبل حين اجلبت علينا الولايا والعدو المباسلُ لهم صدر سيفي يوم بطحاء سحبل ولي منه ماضُمّتْ عليه الأناملُ ومعنى الولايا في بيت جعفر الأول: العشائر والقبائل .. والمباسلة: المصاولة في الحرب ، والذي خلد سحبل في الشعر علاوة على وجوده بين الشعاب المريئة هو مذبحة بين بني الحارث بن كعب وبني عقيل حيث قتل فيها الحارثيون أربعة عشر رجلاً من سبعة عشر من العقيليين والحارثيون انذاك أربعة رجال لا سواهم هم: جعفر بن علبة بن ربيعة وعلي بن جعدب والنضر بن مضارب والرابع لم يذكر اسمه وكان قائد هؤلاء الرجال ومسبب الاشكال جعفر بن علبة الذي ينتهي نسبه الأدنى إلى الفارس والقائد الشاعر الجاهلي عبد يغوث بن صلاءة الذي رثى نفسه حينما أسر ومن ثم قتل في يوم (الكلاب الثاني) وهو يوم بين مذحج وتميم كلها - وهذا اليوم قبل البعثة النبوية بفترة قليلة والشاهد ان الكثير ممن حضره وفدوا على الرسول صلى الله عليه وسلم سنة الوفود في السنة التاسعة من الهجرة النبوية منهم يزيد بن عبدالمدان وقيس بن عاصم المنقري وقد انتصرت فيه تميم انتصاراً ساحقاً. وقصيدة عبد يغوث من أشهر غرر الرثاء العربي وقد كانت ملهمة للعديد من عباقرة الشعر المتقدم فقد عارضها حفيده هذا جعفر حين أخبر في الحبس بقتله صبرا يقول عبديغوث من قصيدته: جزى الله قومي بالكلاب ملامة صريحهم والآخرين المواليا ولو شئت نجتني من الخيل نهدة ترى خلفها الحوَّ الجياد تواليا ولكنني أحمي ذمار ابيكم وكان الرماح يختطفن المحاميا وظل نساء الحي حولي ركدا يراودن مني ما تريد نسائيا وكان عبد يغوث وسيما ظاهر الهيئة ولعل هذه سمة من سمات بني الحارث وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم حينما وفدوا عليه ما هؤلاء الذين كأنهم من رجال الهند أو كما قال صلى الله عليه وسلم .. قال عبد يغوث تكملة ما سبق: وقد علمت عرسي مليكه أنني أنا الليث معدوا عليه وعاديا وقد كنت نحار الجزور ومعمل ال مطي وأمضي حيث لا حيَّ ماضيا وأنحر للشرب الكرام مطيتي وأصدع بين القينتين ردائيا وكنت إذا ما الخيل شمصها القنا لبيقا بتصريف القناة بنانيا وهي قصيدة طويلة وقد عارضها حفيده جعفر بن علبة بقوله: الا لا أبالي بعد يوم بسحبل إذا لم أعذب ان يجيء حماميا تركت بأعلى سحبل ومضيقه مراق دم لا يبرح الدهر ثاويا كأن العقيليين يوم لقيتهم فراخ قطاً لاقين صقرا يمانيا تركناهمو صرعى كأن ضجيجهم ضجيج دبارى النيب لاقت مداويا أحقاً عباد الله ان لست ناظرا صحارى نجد والرياح الذواريا إذا ما أتيت الحارثيات فانعني لهن وخبرهن ان لا تلاقيا وقود قلوصي بينهن فإنها ستبرد أكبادا وتبكي بواكيا والدبارى الواردة في البيت الرابع: تعني القروح واحدته قرحه .. والنيب: الإبل والقصيدة بكاملها في مجامع الشعر والأيام وكلها رثاء وتوقد وحماس .. كذلك عارض قصيدة عبد يغوث مالك بن الريب التميمي حين حانت منيته يقول منها: الم ترني بعت الضلالة بالهدى واصبحت في جيش ابن عفان غازيا اقول لأصحابي ارفعوني لعلني يقر لعيني ان سهيل بداليا تذكرت من يبكي علي فلم أجد سوى السيف والرمح الرديني باكيا واشقر خنذيذا يجر عنانه إلى الماء لم يترك له الدهر ساقيا وبالرمل مني نسوة لو علمنني بكين وفدين الطبيب المداويا فمنهن أمي وابنتاها وخالتي وواحدة أخرى تهيج البواكيا ويقصد بهذه الأخيرة التي تهيج البواكيا زوجته .. وهذه القصائد تعد من المبكيات المؤلمة في الشعر العربي .. وبهذا أظن انني قد حددت ما سألني عنه الكرام وبينت ما دار في يومه.