مآسٍ واحزان , ضيق وهم , ابتلاء واقدار , جزع ونفاد صبر , صراعات مدوية تنتاب كل نفس بشرية .فهى تحب وتريد , تخاف وتضطرب , تنشد الأمان وتتوخى الحذر وتحتاط , تنحاز مرة للقديم والأصيل لمبادئها وقيمها وتطرب للحديث والجديد ولما اضفت وجادت به ارادة مولاها وخالقها لانه سبحانه الآمر والمسير والعليم الخبير , فما قدر كان , والكون بما فيه خاضعاً وراكعاً ومذلولاً بين يديه طائعاً , فنحن لا يدبر لنا أو يوجه الا بما شاء وحده. وعندما نلتحم جسداً وفكراً وعقلاً بذاتنا تجمعنا مداركنا وأحاسيسنا فتكن وتسكن أنفسنا وأرواحنا تخلو بنا ونكون معها وحدنا بلا شريك أو نديم أو من يكدرنا , نتصفح ونستعرض ما فعلناه في أيامنا وما جنيناه وهل نحن راضون أم مستاؤون ونسترسل ونستشعر عظمة الخالق المتجلي ورعايته تشملنا وتحفظنا . فنستسمحه ونتوب إليه من الذنوب ونسأله الغفران ونرجوه المزيد من السعادة والطمأنينة والهدوء والسكينة ونناجيه الواحد الاحد ونستجديه متضرعين له سبحانه فتنسكب العبرات فرحاً بالمعبود محبة وخشية وخوفاً منه فيطمئن القلب المرتجف الوجل .فحين بكت العين وذرفت دمعا وجدت بارئها وانيسها وجليسها ومحتويها ومتغشيها برحمته وشاملها برعايته وعطفه فتهرع إليه بشغف أكثر وتعلق وابتهاج وتقرب وصلة بمعشوقها. لقد شعرت بجبر خاطرها وشفاء كسرها ومحوه أرتالاً لا طاقة بها عليها ذنوباً وآثاماً فتستمر فى المناجاة باكية , بالعين والقلب والذات والوجدان والاحاسيس الدفينة بداخل وكامل أعضاء جسمها وكلما انهمر الدمع وتوالى انسكاباً انتشت الروح وهتفت بأعلى الصوت ربي ولي بيده عصمتي وامري .. تأملت في مقادير الاله وملكوته فبكيت إجلالاً لشأنه وانفراده بالملك وبعظمته ورجعت بمخيلتى وتذكرت مقولة قرأتها منذ زمن بعيد ولكني اعجبت بها وارددها دوماً لانها تحتوي عبراً وتبث معانيها وتدل على حكمة هادفة صاغها الحس الفني البديع والذي لا شائب فيه بل هي الحقيقة , تتبلور كلمات المقولة والتي تقول (بكيت ذات يوم لاني ليس لدي حذاء جديد تلبسه قدماي ولا أملك المال لاشتريه فهو باهظ الثمن بالنسبة لي , وأنا أبكي وأندب حظي ابصرت مخلوقاً عديم القدمين يسير متكئاً وزاحفاً على ذراعيه .فتجمد الدم في شراييني وتعطلت فرائصي وكففت عن البكاء والتذمر) أي إنسان يمر بمثل هذا الموقف ويتعايش معه , كيف ستكون ردة فعله وانعكاسها عليه. سيبكى فرحاً ويسجد حمداً لربه ويشكره. فقنوطه وجزعه وبكاؤه في لحظات مضت كان لانه لم يتمكن بالفوز بحذاء جديد والقدر الحكيم احتواه وأدرك مدى تجنيه وظلمه لنفسه وتأكد له إن كان حرم بتمني النيل والاستحواذ والفوز برغبة وغرض يريده وجد أنه لم يمنع من تمتعه بنعم وأهمها تمتعه بتوفر أعضاء بدنه وحسن خلقته وسلامته وعافيته ..