روسيا: تخفيض سعر صرف الروبل أمام العملات    ترمب: سأفرض رسوماً جمركية على دول كثيرة    المملكة والقضية الفلسطينية.. موقف راسخ ودعم لا يتزعزع    الإفراج عن 183 أسيرًا فلسطينيًا ضمن المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة    القتل تعزيراً لمهرب «الأمفيتامين» في تبوك    جامعة الملك عبدالعزيز تُتوج ببطولة كاراتيه الجامعات للطلاب    القبض على شخص بمنطقة المدينة لترويجه 1.3 كيلوغرام من مادة الحشيش المخدر    ترقية م. بخاري في هيئة الإذاعة والتلفزيون    «الداخلية»: ضبط 21 ألف مخالف للأنظمة في مناطق المملكة خلال أسبوع    علاجات السمنة ومضاعفاتها تكلف المملكة سنوياً قرابة 100 مليار ريال    الدكتوراه ل«السهلي»    الجيش السوداني يطوق وسط الخرطوم    سورية: اعتقال المتهم بارتكاب مجزرة كفر شمس    الصين تعلن اكتمال بناء أكثر من 30 ألف مصنع ذكي    المنتدى السعودي للإعلام يستقطب شخصيات عالمية في نسخته الرابعة    ماتياس: لهذا السبب استبعدت «فيرمينيو»    أكثر من 40 ألف مشارك من 100 دولة يجتمعون في ماراثون الرياض 2025    انخفاض درجات الحرارة ورياح نشطة مثيرة للأتربة على عدة مناطق في المملكة    تحويل منزل فيروز «القديم» متحفاً في لبنان    أمريكا: العثور على الطائرة المفقودة في ألاسكا ومقتل جميع ركابها    «فائق وشريفة»: رفع علم المملكة حلم لكل رياضي    «إيلون ماسك» يشارك تغريدة قائد فريق النصر    24 مليون مشاهدة تجسد تأثير كريستيانو رونالدو    ورشة التوعية برؤية واستراتيجية وزارة الموارد البشرية بالمدينة    انطلاق بطولة VEX IQ لصُنّاع المستقبل في تصميم وبرمجة الروبوتات    الهلال يُحافظ على سالم الدوسري    على كأس خادم الحرمين الشريفين سباقات القدرة والتحمل العالمي في العُلا    ترودو يدعو إلى أخذ تهديد ترامب بضم كندا على «محمل الجد»    إيمري يتطلع للتحدي الضخم بإعادة ماركوس راشفورد لمستواه    الوحدة يُعلن عن تعرض أنظمة الشركة المشغلة لمتجر النادي ل «الاختراق»    فعالية "حكاية شتاء" تجمع أكثر من 14,000 زائر في قاعة مكة الكبرى    جامعة أمِّ القُرى تستضيف الاجتماع التَّشاوري الثَّامن لرؤساء الجامعات    إنجاز أكثر من 80% من مشروع الطريق الدائري الأوسط في الطائف    ضبط شخص في جازان لتهريبه (60) كيلوجرامًا من مادة الحشيش المخدر    «تعليم الرياض» يحصد 39 جائزة في «إبداع 2025»    تتويج السعودي آل جميان بلقب فارس المنكوس        فريق الوعي الصحي بجازان يشارك بمبادرة "سمعناكم" لذوي الإعاقة السمعية    أمير القصيم يهنئ تجمع القصيم الصحي بفوزه بأربع جوائز في ملتقى نموذج الرعاية الصحية 2025    خطيب الحرم المكي: كل من أعجب بقوته من الخلق واعتمد عليها خسر وهلك    خطبة المسجد النبوي: من رام في الدنيا حياةً خالية من الهموم والأكدار فقد رام محالًا    مفتي عام المملكة ونائبه يتسلمان التقرير السنوي لنشاط العلاقات العامة والإعلام لعام 2024    النمر العربي.. مفترس نادر يواجه خطر الانقراض    العُلا.. متحف الأرض المفتوح وسِجل الزمن الصخري    ملامح الزمن في ريشة زيدان: رحلة فنية عبر الماضي والحاضر والمستقبل    «حصوة وكرة غولف» في بطنك !    أمانة المدينة تدشّن نفق تقاطع سعد بن خيثمة مع "الدائري الأوسط"    سبق تشخيصه ب«اضطراب ثنائي القطب».. مغني راب أمريكي يعلن إصابته ب«التوحد»    لماذا لا يجب اتباع سنة الأنبياء بالحروب..!    كيف كنا وكيف أصبحنا    خادم الحرمين وولي العهد يعزّيان رئيس الجزائر في وفاة رئيس الحكومة الأسبق    وكيل وزارة الداخلية يرأس اجتماع وكلاء إمارات المناطق    الملك وولي العهد يُعزيان ملك السويد في ضحايا حادثة إطلاق نار بمدرسة    ثبات محمد بن سلمان    «8» سنوات للأمير سعود في خدمة المدينة المنورة    لبلب شبهها ب «جعفر العمدة».. امرأة تقاضي زوجها    إطلاق برنامج التعداد الشتوي للطيور المائية في محمية جزر فرسان    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية والرئيس الألماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



(الحوار) سبيل للتعايش السلمي وقضية يفرضها الواقع
المفكرون الإسلاميون ل( الندوة ): ضرورة من ضروريات الحياة نحو تعايش أفضل
نشر في الندوة يوم 31 - 05 - 2008

أعرب العلماء والدعاة والمفكرون الإسلاميون عن ثقتهم في دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود- للمؤتمر الإسلامي الدولي للحوار الذي سينعقد بالعاصمة المقدسة، وأكدوا أن (الحوار) أصبح من القضايا الجوهرية في عالم اليوم الذي تشابكت فيه المصالح، وأوضحوا أن الحوار ضرورة يفرضها الواقع, وتوطيد أسباب التواصل الفكري الثقافي والمجتمعي بينها لا مفر منه. وأشاروا إلى أن ردم الفجوة القائمة في الواقع وما تتطلع إليه الشعوب , بحاجة إلى ممارسة حضارية مستديمة, تستهدف إزالة أسباب هذه الفجوة, وتوفر الظروف والعوامل الذاتية والموضوعية لردم هذه الفجوة عبر عمل يشترك في إنجازه الجميع. وشددوا على الحوار المشروع ....
بداية تناول رئيس المركز الإسلامي بالسويد الشيخ عبدالكريم العلام الحوار في اللغة ووجوده الشرعي فقال:
الحوار في اللغة كما جاء في معجم تاج العروس ومعجم لسان العرب هو (تراجع الكلام) فهم يتحاورون أي: يتراجعون الكلام ومراجعة المنطق والكلام في المخاطبة.
وهنا يتجلى الفرق بن الحوار والجدال لأن الجدال في اللغة كما جاء في معجم مقاييس اللغة: هو من باب استحكام الشيء في استرسال يكون فيه وامتداد الخصومة ومراجعة الكلام. وفيه يقول الإمام الجويني في كتابه الكافية: الجدال هو إظهار المتنازعين مقتضى نظرتهما على التدافع والتنافي بالعبارة أوما يقوم مقامهما من الإشارة والدلالة.
ضرب من ضروب الدعوة
وأضاف العلام: ونحن ندعو إلى الحوار، أو الجدال بالتي هي أحسن، أو مايمكن تسميته ب (المحاجة أوالمناظرة أوالمناقشة أوالمباحثة ) لأن ذلك كله يعتبر ضرباً من ضروب الدعوة إلى دين الله، وصنفاً من أصناف الجهاد لإعلاء دين الله تعالى.
ولقد امتثل نبي الهدى والرحمة لأمر الله تعالى فجادل المخالفين له في الدّين في مكة والمدينة، حاورهم وجادلهم في حال القوة والضعف وفي السلم والحرب وأمر بذلك وسماه جهاداً فقال عليه الصلاة والسلام: (جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم) رواه أحمد وغيره. وقد قال ابن حزم -رحمه الله- معلقاً على هذا الحديث (وهذا حديث غاية في الصحة وفيه الأمر بالمناظرة وإيجابها كإيجاب الجهاد والنفقة في سبيل الله)،
وجوب الحوار
وانتقد رئيس المركز الإسلامي بالسويد المنتقدين للحوار معتبرا الحوار نوعا من أنواع الجهاد مثمنا دعوة خادم الحرمين للشريفين للحوار فقال::
فالحوار مع المخالفين واجب، وللأسف فقد فرَّط فيه كثيرٌ من الدعاة والمصلحين، ففي الوقت الذي نجد فيه دعاة التقريب بين الأديان ودعاة العصرانية ينشطون لذلك ويعقدون الندوات والمؤتمرات تارة باسم التعاون وأخرى باسم التسامح والتعايش وثالثة لتحاشي النزاعات وصدام الحضارات، في الوقت نفسه نجد تقاعساً كبيراً وعزوفاً من دعاة الحق عن هذا النوع من الجهاد، وهنا تكمن أهمية مؤتمر الحوار الذي دعت إليه رابطة العالم الإسلامي برعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله آل سعود
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه النبوات: (والمجادلة قد تكون مع أهل الذمة؛ والهدنة؛ والأمان؛ ومن لا يجوز قتاله بالسيف؛ وقد تكون في ابتداء الدعوة؛ كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يجاهد الكفار بالقرآن؛ وقد تكون لبيان الحق وشفاء القلوب من الشبه مع من يطلب الاستهداء والبيان...).
وقد ارتفعت بعض الأصوات تعلن معارضتها لمثل هذه المبادرة، وتدعوا إلى إنكار شيء اسمه الحوار مع غير المسلمين بدعوى أنها تميت الدين وتذهب التميّز الذي خص الله به المسلمين، والحقيقة أن مثل هذه الدعوات واهية ولاتصمد أمام مدلول الشرع، وقد أحسن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في الردَّ على أصحاب هذا الاتجاه من تسع أوجه حررها في كتابه العظيم (الجواب الصحيح)، منه قوله: (فإنَّ من الناس من يقول: آيات المجادلة والمحاجة للكفار منسوخات بآية السيف لاعتقاده أن الأمر بالقتال المشروع ينافي المجادلة المشروعة وهذا غلط فإنَّ النسخ إنما يكون إذا كان الحكم الناسخ مناقضاً للحكم المنسوخ كمناقضة الأمر باستقبال المسجد الحرام في الصلاة للأمر باستقبال بيت المقدس بالشام ...)
وأضاف بقوله: (... وقوله: وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) [سورة العنكبوت 29/46] فهذا لا يناقض الأمر بجهاد من أمر بجهاده منهم ولكن الأمر بالقتال يناقض النهي عنه والاقتصار على المجادلة. فأما مع إمكان الجمع بين الجدال المأمور به والقتال المأمور به فلا منافاة بينهما ). ثم عدَّدَ رحمه الله تعالى تسع أوجه للقول بأهمية ومشروعية الحوار وكلامه نفيس للغاية يمكن الرجوع إليه.
وفي تفسيره لقوله تعالى تعالى:(ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن). يقول ابن كثير في تفسيره: أي من احتاج منهم إلى مناظرة وجدال فليكن بالوجه الحسن برفق ولين وحسن خطاب..) . ويقول الشيخ ابن سعدي رحمه الله: (... فإنْ كان المدعو يرى أنَّ ما هو عليه الحق أوكان داعية إلى الباطل فيجادل بالتي هي أحسن وهي الطرق التي تكون أدعى لاستجابته عقلاً ونقلاً. ومن ذلك الاحتجاج عليه بالأدلة التي كان يعتقدها فإنَّه أقرب إلى حصول المقصود وأن لا تؤدي المجادلة إلى خصام أومشاتمة تذهب بمقصودها ولا تحصل الفائدة منها بل يكون القصد منها هداية الخلق إلى الحق لا المغالبة ونحوها).
الحوار بإحسان
وطالب العلام بالإحسان في محاورة الآخرين حيث أوضح ذلك بقوله:
ومن المهم جداً أن يكون حوارنا مع الآخرين مقروناً بإلاحسان، ومن مستلزمات الإحسان:
1 اتباع طريقة القرآن في جداله لأهل الكتاب، وأصل ذلك آية آل عمران: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (سورة آل عمران 3/64) .
2 عدم تكذيب ما عندهم تكذيباً عاماً لمجرد كونه من كتبهم بل ينبغي السكوت عن ذلك فلا يصدقون ولا يكذبون.
3 عدم تفضيل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على أنبيائهم عليهم الصلاة والسلام على وجه الحمية والعصبية لحديث أبي هريرة عند البخاري: قال صلى الله عليه وسلم: (لا تخيروني على موسى ...)، وفي رواية عند البخاري أيضاً: (لا تفضلوا بين أولياء الله) .
4 أن يكون الحوار بحسن خلق ولطف ولين كلام ودعوة إلى الحق وتحسينه ورد الباطل وتهجينه بأقرب طريق موصل لذلك وأن لا يكون القصد منه مجرد المجادلة والمغالبة وحب العلو بل يكون القصد بيان الحق وهداية الخلق .
5 أن ينزل خطاب كل طائفة منهم على ما يقتضيه فقه الواقع ومعرفة المجادل أوالمحاور بأحوالهم إذْ إنهم: (ليسوا سوآءً). وقد قال تعالى: (وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) [سورة الأنعام 6/55]
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعوالى الله على بصيرة فكان يواجه الناس على اختلاف عقائدهم منهم: المسترشد الذي يطلب الحق ليلتزم به، ومنهم الجاهل الذي يبتغي العلم فيستنير به، ومنهم الجاحد الذي يسلك سبيل المدافعة والمنازعة بغية تثبيت ما عنده وتزهيق ما عند غيره، ومنهم المعاند المتلدد الذي لا يلوي على شيء غير الوقوف أمام كل جديد بالصد والإنكار، ومنهم من ينتسب إلى كتاب منزل أصابه من التحريف والتبديل ما جعله يخلط حقاً بباطل ورشاداً بِغَي وصدقاً بكذب وهم اليهود والنصارى ... فحاور النبي صلى الله عليه وسلم جميع هؤلاء وقد وعى طريقة القرآن في بيان الحق وتثبيته ودفع الباطل وتزهيقه فكانت العلاقة وثيقة بين جدل القرآن مع أهل الكتاب والجدل معهم في السنة المطهرة.
كما كان صلى الله عليه وسلم يغشى على المخالفين محافلهم ومجتمعاتهم لدعوتهم إلى الإسلام، وكاتب ملوكهم ورؤسائهم لمحاورتهم وجدالهم بالحسنى، واستقبل وفودهم وكبراءهم.
قال ابن القيم رحمه الله في كتابه زاد المعاد في معرض استخلاص الفوائد من قصة وفد نجران: ( ومنها: جواز مجادلة أهل الكتاب ومناظرتهم بل استحباب ذلك بل وجوبه إذا ظهرت مصلحته من إسلام من يرجى إسلامه منهم وإقامة الحجة عليهم ولا يهرب من مجادلتهم إلا عاجز عن إقامة الحجة ). . وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في فتح الباري في كتاب المغازي عند استعراضه لنفس القصة ( وفيها جواز مجادلة أهل الكتاب وقد تجب إذا تعينت مصلحته ) .
التقريب سبيل إلى الوحدة
فمن جانبه، يقول فضيلة الدكتور/ أحمد عمر هاشم –مدير الجامعة الأزهرية السابق- أن فكرة الحوار والتي أكد أنها ليست وليدة العصر الحديث وإنما هي أمنية تسري مع الزمن وللمسلمين جميعاً الرغبة الملحة في الرجوع إلى تلك الأيام الخالية من التضارب والتهاتر واجتماع الكلمة والعمل من أجل الإسلام.
الحوار ضرورة من ضرورات الحياة
ويؤكد الكاتب الإسلامي/ فهمي هويدي- أن الحوار ضرورة قصوى من ضرورات الحياة في ظل السلام العادل والاحترام المتبادل والتطبيق النزيه لقواعد القانون الدولي. والحوار بين الحضارات دليل على النضج الفكري الذي أدركته البشرية، وتفرضه تجارب الأمس وحوادث اليوم ومخاوف الغد. ومكافحة شتى أشكال اللامبالاة وعدم التفهم تقتضي معرفة الآخر في خصوصيات حضارته وتطلعاته، وهو ما يستوجب إنماء ذهنية الاعتراف والاحترام المتبادلين. كما أن الحوار يؤكد الحق في الاختلاف والمغايرة واحترام حقوق الإنسان في كنف القوانين والمواثيق الدولية.
نحن بحاجة إلى عملية إصلاح المجتمعات الإسلامية
هذا، ويدعو الدكتور/ جعفر عبد السلام –أمين عام رابطة الجامعات الإسلامية- إلى عقد أكثر من مؤتمر إسلامي للحوار، لنزع فتيل الشر بين الفرق والمذاهب الإسلامية،، وغيرها من الاديان والعقائد الاخرى لأن التوتر, يؤدي فيما يؤدي إلى استفحال نزعات العنف والكراهية والتعصب وتعاظم خيارات التطرف والاستئصال. ولا ريب أن هذه المظاهر والصور, كلها مناقضة لمتطلبات الاستقرار السياسي والمجتمعي. وليس من شك أن بقاء الوضع العربي والإسلامي على حاله, سيكلف الجميع وسيعمق من عوامل الإخفاق والفشل. لذلك نحن بحاجة إلى عملية إصلاح المجتمعات العربية والإسلامية من الداخل, لأنها المدخل الفعال لتفعيل هذه المجتمعات, وإعادة حيويتها وتخليصها من توتراتها الداخلية.
إذن، فلابد من الحوار بين النخب في العالم العربي والإسلامي , وتوطيد أسباب التواصل الفكري الثقافي والمجتمعي بينها. ولاشك أن تدشين مرحلة الحوار الجاد بين نخب الأمة الرسمية والأهلية, سيؤدي إلى إرساء قواعد وتقاليد للتواصل الثقافي والسياسي. ومن المؤكد أن تكريس خيار التواصل, يفضي إلى نضج ثقافة سياسية واجتماعية ووطنية, ذات طابع تنموي سلمي بعيدة عن مظاهر التطرف والعنف.
ويرى الدكتور جعفر أن الحوار والتواصل المطلوب بين نخب الأمة, لا يأخذ شكلا أو صيغة واحدة, وإنما ستتعدد الأشكال والصيغ وذلك بفعل اختلاف الظروف وطبيعة التحديات ومستوى النضج الفكري الثقافي والسياسي الذي سيتوفر من جراء عملية الحوار والتواصل. وبهذا نطرد من الواقع الإسلامي الخطاب الأحادي والعقلية الدوغمائية والمنطق الشمولي والمطلق الذي لا يرى إلا ذاته ويلغي ما عداه. ويفتقر هذا المنطلق إلى كل دلالات المرونة واستعدادات الحوار والتساؤل والنقد. فالتواصل الحواري والتعاوني بين نخب الأمة الرسمية ونخب المجتمع المدني, لا بد أن يحمل في ثناياه ومضمونه القبول بالتساؤل والاختلاف والنقد. وذلك لأن التواصل الحواري, لا يستهدف تهديم الآخر وإفشاله, وإنما يستهدف تعرية واكتشاف كل الثغرات والنواقص التي أدت إلى إخفاق النخب في إنجاز نهضة الأمة وتقدمها. فالحوار يتم وفق عقلية مسؤولية الجميع عن الحالة الراهنة, وقدرة الجميع إذا توفرت الإرادة الصلبة والثقافة السليمة لإدارة الاختلافات والفوارق الأيدلوجية, لاجتراح فرادتنا ونهجنا في البناء والتقدم.
شروط الحوار ومقتضياته
ويرى فضيلة الدكتور/ أحمد
عبدالرحيم السايح –أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر- أن مقتضيات الحوار عديدة ولابد من الأخذ بها، ومن أهمها: التعارف وفتح الأجواء الاجتماعية, بحيث تنعدم نفسيا واجتماعيا كل أشكال الانغلاق ومبررات العزلة والانكفاء. فشرط الحوار ومقدمته الضرورية التعارف الاجتماعي بكل ما تحمله كلمة التعارف من معنى ومدلولات اجتماعية فكرية وثقافية. والانفتاح ونبذ الانطواء على النفس مهما كانت مسوغات هذا الانطواء التاريخية والاجتماعية. ولعل مقتل الكثير من المجتمعات المغلقة, يبدأ حينما تصر هذه المجتمعات على إبقاء تلك الخصوصيات ذاتية. بينما المجتمعات الإنسانية المتقدمة, هي التي استخدمت إمكاناتها المختلفة من أجل إعطاء للخصائص الذاتية البعد الموضوعي التي يجعلها قابلة للتطبيق في مجالات اجتماعية أخرى.
ويضيف الدكتور السايح- أن الانفتاح الذي نقصده ونراه ضرورة للحوار الاجتماعي, هو الذي ينطلق من هذه العقلية التي تدفع باتجاه أن تعطي لمضامين مفاهيمها الذاتية بعدا موضوعياً جامعاً. بحيث تغذي هذه المفاهيم العالية مجموع الوحدات الاجتماعية. ووفق هذا المنظور, نتمكن من الوصول إلى مفهوم الحوار الاجتماعي الحيوي والهادف إلى تفعيل الجوامع المشتركة بين مجموع الوحدات الاجتماعية.
ويؤكد الدكتور السايح- أن العالم الإسلامي أحوج ما يكون اليوم إلى الإجماع الوطني العميق لمواجهة التحديات والمخاطر, والعمل معا من أجل تنفيذ التطلعات والطموحات الممكنة. والمطلوب ومن أجل تعزيز نهج الإجماع الوطني, العمل على إحداث تحولات نوعية على مستوى التصورات التي نحملها عن السياسة وطبيعة عملها وآليات فعلها, بحيث تكون التصورات الجديدة متناغمة والإطار الحضاري لمجتمعاتنا. ولا بد أن ندرك أن هيمنة مقولات سياسية واحدة, لا ينهي مشكلات الواقع, ولا يخرج المسلمون من مآزقهم ومحنهم الراهنة. لذلك فإن جميع البلدان العربية والإسلامية, بحاجة ماسة اليوم إلى تجديد أسس الإجماع الوطني, الذي يستهدف تعزيز عوامل الوحدة الوطنية, وتمتين الجبهة الداخلية.. وذلك لأن التحديات والمخاطر, التي تفرزها المتغيرات الراهنة, تتطلب تعميق الوحدة الداخلية في كل قطر عربي وإسلامي, والعمل على تنقية الأجواء العربية الداخلية من كل ما يعكر صفو هذه الوحدة والانسجام الداخلي..
فالأولوية القصوى اليوم, ينبغي أن تتجه إلى تعزيز الداخل العربي, وتمتين أواصر الوحدة الوطنية, وتنمية عناصر الإجماع الوطني. وذلك لأن العديد من الاستراتيجيات والسيناريوهات المطروحة للمنطقة, لا يمكن مجابهتها وإفشالها إلا بالعمل المتواصل لتعزيز الوحدة الوطنية وتنقية الأجواء العربية من كل عناصر الخلل والتوتر.
فالوحدة الوطنية المتينة في كل قطر, هي الأرض الصلبة التي يقف عليها العالم العربي اليوم, لإفشال المخططات الأجنبية الغربية وغير الغربية منها والوقوف بحزم ضد كل أشكال العبث بهذه الحقائق والمكاسب.
وإن ردم الفجوة القائمة في الواقع العربي والإسلامي بين ما هو قائم وما تتطلع إليه الشعوب العربية, بحاجة إلى ممارسة حضارية مستديمة, تستهدف إزالة أسباب هذه الفجوة, وتوفر الظروف والعوامل الذاتية والموضوعية لردم هذه الفجوة عبر عمل عربي وإسلامي نوعي يشترك في إنجازه الجميع، وهكذا فإن المطلوب أمام أسئلة المصير والمستقبل المطروحة على الواقع العربي, هو العمل على تطوير الحياة العربية والإسلامية في مختلف الحقول والمجالات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.