المسؤول القابع في برجه العاجي متمترساً خلف الحواجز البيروقراطية، والبروتوكولية، والبريستيجية، كان يراهن في وقتٍ مضى على تلك الحواجز، لمنع صوت المواطن من إزعاج أذنه، أو تعكير غفوته، التي يغريه مكتبه الوثير ب”معاقرتها” في جو من الهدوء! تعوّد المسؤول أن من لا يستطيع من المواطنين قفزَ الحواجز للوصول إليه، يبتلع صوته وشكواه وأنينه، ويصمت، وهذا هو المطلوب، لأن هؤلاء “المزعجين” لا ترتفع أصواتهم إلا بشكوى أو مطلب! لاحقاً وفرت تقنيات الاتصال الحديثة “حاضنات” لصوت المواطن، الذي بدأ يعلو ويتخلص من الشوشرة، ويقترب من الوضوح، حتى سمعته كل أذن إلا التي بها صمم! لكن المسؤول نقل رهانه من الحواجز التي منعت صاحب الصوت، إلى حواجز معنوية ظن أنها ستمنع الصوت، تتمثل في “رعب اجتماعي” من اقتراف قول أو فعل يصنّف تحت بند (المعيب اجتماعياً)، معوّلاً على ثقافة “عيب” و”وش يقولون عنّي الناس حين أظهر عبر تقنية اتصال أشكو، أو أتوسّل أو أتسوّل، ولو كنت صاحب حق”؟! لكن الرهان الثاني للمسؤول سقط، بعد أن وصل المواطن إلى مرحلة من اليأس تساوى فيها عنده كل شيء، فقتل “الرعب الاجتماعي”، وضرب بثقافة العيب عرض الحائط، وراح يصيح على الأشهاد، ويهيم في كل وادٍ “تقني”، باحثاً عن حقه، وحاجته. هنا، انتقل الرعب للمسؤول، الذي صار يطارد صوت المواطن في تويتر، يدفعه إلى ذلك دفعاً حشودٌ من الناس وهالات من الضوء تحيط بمصدر الصوت، ليقابله بأحسن ما يقابل الضيف الكريم، ويسوق له عبارات تطييب الخاطر، والتأسف على ما حدث له –دون علم المسؤول بالتأكيد-، ناطقاً بلسان الشاعر أحمد مطر-بتصرف-: (قال “المسؤول” في حزن: أحرق ربي جسدي.. أكلُ هذا حاصلٌ في بلدي؟! شكراً على صدقك في تنبيهنا يا ولدي.. سوف ترى الخير غداً). فيما المواطن المذهول لهذه “الحنيّة” يسأل سعادة المسؤول بينه وبين نفسه: لماذا شهامة سعادتكم ثمنها ثمن باهظ؟! لماذا تركتني أريق ماء وجهي، وأعيش بقية حياتي بهذه الوصمة، فقط من أجل أن تسمع صوتي، و”تتفضل” عليّ ببعض حقي؟!