} دعتني صحيفة الغارديان أن أذهب إلى فلسطين وأكتب ما أراه عن الأوضاع هناك. وقد أخذت القرار أن أذهب إلى الضفة، وإلى القدس، وأرغمت نفسي على التغلب على ال "تابو" الكبير في قلبي ووجداني، وهذا لسبب واحد: أننا وباعتراف الجميع في أمس الحاجة إلى مساندة الرأي العام في الغرب، وقد كتب الزميل والكاتب الكبير الأستاذ جمال الغيطاني في "أخبار الأدب" في 29 أكتوبر يقول: "أتمنى أن يتم البحث عن وسائل لمخاطبة أصحاب الضمائر الحية في الغرب حتى لو بدوا الآن قلة...". كم من مرة بكيت وأنا أتفرج على التلفزيون البريطاني ينقل أحداث فلسطين، كم بكيت أمام شريط "الحلم العربي" وكم مددت يدي لأغلق الكاسيت وسط "زهرة المدائن" لأني لم أحتمل الحزن، فكيف تأتيني فرصة أن أقوم بما أستطيع عمله الكتابة وبالتحديد الكتابة للقارئ الغربي كيف يتاح لي هذا المنبر وأرفض؟ نظمت الرحلة كلها لتطابق حركة أهل فلسطين أنفسهم فسافرت إلى عمان ومن هناك إلى جسر أللنبي الخ كما هو مبين في المقال: أزور القدسالشرقية والضفة إن أمكن وأدخل وأخرج عن طريق الأردن. قالوا لي لا تستطيعين كتابة هذا الموضوع من جانب واحد. قالوا لي بالطبع نحن نعلم أننا لا يمكن أن نطلب منك الحياد ولا نتوقعه منك، لكن لن يكون موضوعاً جيداً اذا تحدثت فقط مع فلسطينيين. قلت أفهم هذا، وأرى أنني يجب أن أذهب وأقابل بعض المستوطنين. هناك أسئلة تمرق في بالي، أريد أن أسألهم... ومنذ سلمت المقال استشعرت توجساً ضخماً من جانب هيئة التحرير، يقولون أن هذه أصوات لم نسمعها في الإعلام الغربي من قبل، ويتحسبون العواقب. أرجو من قارئي العربي الكريم أن يضع في اعتباره، وهو يقرأ هذا المقال، أنه يخاطب في الأساس القارئ الغربي، فمعذرة إن شرحت ما لا لزوم لشرحه! السبت الثانية عشرة ظهراً، رام الله. القاعة الكبرى لمدرسة سيدة الإنجيل الخاصة في رام الله تكتظ بالطلاب. مئات من البنات والأولاد يتجهون إلى المقاعد يتحدثون ويضحكون. على المسرح تقف الناظرة، السيدة سميرة، ومعها ضيف الشرف، الدكتور مصطفى البرغوثي. الدكتور البرغوثي أحد الرؤساء الثلاثة لجبهة الشعب الفلسطيني. والأهم من ذلك أنه ينظم كل الخدمات الصحية للانتفاضة. وهذا اللقاء جزء من المبادرة المشتركة للمدارس الخاصة في رام الله لتسجيل الحقائق والمطالبة بالحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني أمام العالم. هؤلاء الشباب من العائلات المقتدرة، يستطيع أهلهم أن يدخلوهم المدارس الخاصة، وأن يمنعوهم من الذهاب إلى الحواجز. شعرهم لامع. أسنانهم بيضاء. تبدأ السيدة سميرة في ذكر أسماء المدارس المشاركة في المبادرة ويبدأ الشباب في الهتاف فتمنعهم عن التصفير. يريدون أن يعرفوا كيف يستطيعون المساهمة. يسألون لماذا لم تعلن السلطة وفاة أوسلو؟ لماذا تقبض على أعضاء حماس؟ ماذا تفعل السلطة لحماية المواطنين من انتهاكات المستوطنين؟ لماذا تستمر السلطة في التنسيق الأمني مع اسرائيل؟ يريدون برنامجاً لمساندة آلاف العمال الذين فقدوا مصادر رزقهم داخل إسرائيل. يريدون من السلطة أن تعمل كيد واحدة ولا تتنافس بالداخل. يريدون أن يخاطبوا العالم. يريدون الاستقلال والسيادة، ويريدون أن يعرفوا كيف يساهمون. يدعوهم الدكتور البرغوثي للتطوع في المنظمة غير الحكومية القريبة لهم، يتدربون على الاسعاف الأولي والعناية الصحية وإدارة الطوارئ. يعملون بالانترنت والإعلام ويراقبون الصحافة. يتزاحمون للتطوع قبل أن يأتي الأهل لاصطحابهم في الثانية والنصف. الساعة الثالثة، رام الله مروان برغوثي دائم التحرك. في الواحدة والأربعين من عمره، أمين سر حركة فتح، ومنذ اندلاع الانتفاضة وهو على الحواجز مع الشباب، كما شكل لجان المراقبة الشعبية المجموعات التي تحاول حماية المزارعين من المستوطنين. يقول الكل أنه مستهدف من الإسرائيليين، أطلقت عليه جريدة معاريف لقب "أحد أضلاع ثالوث الرعب: عرفات، برغوثي، ورجوب". ويقول البعض أنه مستهدف من السلطة لأنه محبوب أكثر مما يجب. في مكتبه يجلس أمام لوحة حائطية ضخمة للمسجد الأقصى ويقول أن الانتفاضة والمفاوضات لا تلغيان بعضهما بعضاً. أن الانتفاضة هي الطريق الوحيد للشعب أن يبعث بصوته بإرادته إلى داخل المفاوضات. يشير إلى صورة لمحمد الدرة ويقول: "نريد أن نخرج من صورة الفلسطيني الفريسة. هذه صورة أفضل..." ويشير إلى صورة طفل يواجه دبابة. أقول "استشهد هذا الطفل بعد يومين." يقول "نعم." أتساءل في صمت إن كانت هناك مساحة تسمح بالخروج من صورة الفريسة من دون الوقوع في فخ صورة "الإرهابي الإسلامي المتطرف." الهامش ضيق للغاية. يقول رجل يجلس معنا ومن الواضح أنه صديق قديم: "باسمع ان قسام ابن برغوثي البالغ من العمر 16 عاماً مع الشباب على الحواجز. لماذا لا تمنعه؟" يلوح مروان برغوثي مبعداً للسؤال، فيصر الرجل: "لازم تمنعه". وللحظة تبدو الحيرة على وجه هذا القائد العسكري ويقول: "كيف أمنعه؟ لا أستطيع." الساعة الثالثة وخمس وأربعين دقيقة أبو كريم قلق، يريد أن يكون في بيته في القدس على الإفطار، ولكني طلبت أن أرى الحواجز. مكان مقفر على حافة المدينة، أي على بعد عشر دقائق من وسط المدينة. بعد الإفطار ستتحول هذه المنطقة إلى ساحة معركة. حواجز من الاسمنت، حجارة، علامات حريق، بعض الزجاج المكسر، مصفحتان اسرائيليتان على الجانب الآخر من الحاجز. تظهر امرأة الى جانبي، أربعينية، ترتدي السواد. هي مصرية تزوجت من فلسطيني وتعيش هنا منذ 25 سنة. أم باسم. سمعت عنها: فقدت ابنها الكبير في انتفاضة 87، وهي تقود الشباب على الحواجز كل ليلة. أسألها: "لماذا تأتين؟ هل لاستشهاد ابنك في الانتفاضة السابقة؟" تقول: "لا. عندي 4 غيره. وهم معي هنا. آتي عشان الأوضاع لازم تتغير. ما نقدرش نعيش كده." أسأل إن كانت تسمح لي بأن التقط لها صورة. تتردد ثم تقول: "إذا لم تظهر في الجرائد المصرية. لا أريد أن تعرف أمي. ستقلق". التقط الصورة وتستدير إلى الشاب الذي أتى بنا إلى هنا: "أرى قسام هنا كل ليلة. قول لأبوه لازم يمنعه." الأحد العاشرة والنصف بساجوت مستوطنة بنيت منذ 10 سنوات على قمة تل على حدود رام الله والبيرة. يقول الفلسطينيون أن الحكومة الإسرائيلية أنشأتها كغيرها من المستوطنات على أرض صودرت من البيرة. يقولون أن وضعها مخطط للحد من تطور المدينة ونموها وللسيطرة على العرب. يقولون ان المستوطنين مسلحون وأن الجيش نفسه يمكنه أن يدخل وينتشر في المستوطنة على وجه السرعة. في الشهرين الماضيين عانت البيرة ورام الله من القصف كل ليلة من بساجوت. نظمت لي لجنة الييشا لقاء اليوم مع حاييم بلوخ. يدبر لي صحفي غربي سائقاً فلسطينياً مستعداً للذهاب إلى مستوطنة... بثلاثة أضعاف الثمن المعتاد. هذه الرحلة مختلفة تماماً عن أي رحلة قمت بها هنا. طرق عريضة ممهدة، سيارات مسرعة، غياب الحواجز، وبساجوت مثل معظم المستوطنات الأخرى تقبع فوق الجبل كنقطة حراسة، كالمدينة الأميركية الصغيرة الكابوس في الأفلام. ميزانية السيد باراك في العام القادم 2001 ترصد ثلاثمئة مليون دولار لحساب المستوطنات. يقف حاييم بلوخ بكل ذوق ينتظرنا خارج بيته. يرتدي حلة غامقة وقميصاً من دون ربطة عنق. له ذقن طويلة كستنائية ويتحدث بأناة وحرص وصوت منخفض. عُرض على أبيه وكان مهندس نسيج عملٌ في اسرائيل منذ 31 عاماً، فاصطحب أسرته، وخلال أسبوعين انتقل الجميع من بالتيمور بالقرب من واشنطن. يقول الحساب أن عمر مستر بلوخ 39 عاماً لكني ظننته أكبر كثيراً. إذا اخترت، في اسرائيل، أن تنخرط في الدراسات الدينية أعفيت من الخدمة العسكرية. أما للشباب الذين يريدون القيام بالاثنين فهناك معاهد دينية خاصة. يوجد 30 من هذه المعاهد في اسرائيل، والسيد بلوخ خريج أحد هذه المعاهد وحتى وقت قريب كان يُدَرِّس أيضاً في أحدها. وهو الآن يُدَرِّس القانون اليهودي وبالذات في مجال الإدارة المالية على مستوى تعليم الكبار في بساجوت. وقد عاش في المستوطنة 9 سنوات. لماذا بساجوت؟ "لأن هذه أرض جوديا وسماريا وهنا يتحدد المصير الإسرائيلي." الناس عبر الوادي، في رام الله والبيرة، يقولون أن هذه الأرض صودرت منهم. ما شعورك نحو هذا؟ "ان الحكومة الاسرائيلية لا تأخذ أرضاً دون أن تدفع ثمنها وقد حاول العرب أن يقيموا ضدنا دعوى في المحكمة وفي النهاية كانوا يتوسلون إلينا أن نسمح لهم بإسقاط الدعوى. كانوا يعرفون أنهم لن يكسبوها." هناك قرارات دولية تقول أن احتلال الضفة وغزة احتلال غير قانوني؟ "إن اسرائيل أمة تحترم القانون. أما تفسير القانون فمن الممكن أن نختلف عليه. الذي نقوم به هنا ليس مخالفاً للقانون الدولي،" ويستمر "وحتى ان كنت متأكداً مئة في المئة أن القانون الدولي ضدي، لن يغير هذا من موقفي. لأن القانون الدولي يقول شيئاً لا يكون هذا الشيء بالضرورة صحيحاً." فإن لم يكن القانون، ما هي مرجعيتك؟ "وعدنا الله بهذه الأرض. كانت دولة إسرائيل هنا منذ 2000 عام وقد وعد الله أجدادنا بهذه الأرض منذ 37 ألف عام. لم تكن هنا دولة لفلسطين." الفكرة الوحيدة التي تأتيني هي أني لم أعد خائفة أو قلقة. لا أشعر بأي شئ. أنا أقوم بمقابلة واستطلاع رأي فقط. أقول: لم تكن هناك دولة لسورية ولا لبنان ولا الأردن ولا العراق. كان الكل جزءاً من الدولة العثمانية وقام الانكليز والفرنسيون بتقسيمها ورسم الحدود. "هذه هي الأرض التي وعدنا بها الله." تقول أن هذه الأرض لك لانك كنت هنا قبل ألفي عام. وهناك، عبر الوادي، يوجد رجل يقول أن هذه الأرض له لأنه موجود هنا منذ ألفي عام. لو وضعت نفسك في موقفه للحظة... "لا أضع نفسي في موقفه. أفعل هذا لصديق في مسألة شخصية. هذه مسألة أمم ومصالحها وأنا دوري أن أنظر إلى مصالح الأمة اليهودية." إذن ليس لك كفرد أي مسؤولية أخلاقية في هذا الموضوع؟ "لا". فمن وجهة نظرك، ماذا يجب على الفلسطينيين عمله؟ "بإمكانهم البقاء هنا. لن يطردهم أحد. لكن عليهم أن يفهموا أنهم يقيمون في دولة يهودية. وإن لم يرق لهم هذا فهناك أماكن كثيرة يمكنهم الرحيل اليها." لكن إذا أقاموا في دولة يهودية لن يكون لهم الحقوق نفسها كاليهود. "نعم. هي دولة يهودية، ويعيشون فيها كأقلية. وصدقيني، ان 90 في المئة من الفلسطينيين يعجبون بنا ويريدون الحياة في دولة إسرائيل." أعلم أن استفتاء بين الشباب الفلسطيني وجد أنهم يعجبون بالديموقراطية الإسرائيلية... كما تطبق على اليهود. لكنها لا تطبق على العرب. "90 في المئة من الفلسطينيين يريدون الحياة في دولة إسرائيل. أنا أعلم هذا." تعلم أن 90 في المئة من الفلسطينيين يريدون الحياة كمواطنين من الدرجة الثانية إلى الأبد؟ "هذا ما يقوله لي أصدقائي الفلسطينيون." لك أصدقاء فلسطينيون؟ "نعم." معذرة، لكن من هم؟ صمت. لا أسأل عن أسمائهم. فقط أسأل أين التقيت بهم مثلاً؟ "أحدهم ميكانيكي. كان عليه أن يقوم بإصلاح سيارتي. والآخر... يعرفه." هل يمكن أن أسألك عن اقتصاديات الحياة في المستوطنة؟ "ماذا تقصدين؟" سمعت أن المستوطنات تحظى بمساعدات من الحكومة. "لقد أخذت منا حكومة باراك معظم ما أخذناه من نتانياهو. لا نحصل على أي شيء تقريباً." تقول لي جودي في ما بعد انه دفع في البيت الذي يسكنه نحو 20 في المئة من قيمته الحقيقية. وتقول مصادر إسرائيلية أن المستوطنين يؤجرون مساكنهم في المدينة بأثمان باهظة ويذهبون الى المستوطنات حيث تعطيهم الحكومة معونات كبيرة. ولكي ينتقل المستوطن من مستوطنته في أي يوم توفر له الحكومة حافلة مصفحة وسيارتي جيش للمرافقة. أما الماء، وهو في قبضة الحكومة، فيقسم بين العرب والمستوطنين فيأخذ المستوطن الواحد 1450 متراً مكعباً من الماء في السنة، بينما يسمح للفلسطيني باستعمال 853 متراً مكعباً. أما الكهرباء فتقطع بشكل منتظم عن المدن العربية بينما تشتعل المستوطنات ليلاً بالأضواء. يا سيد بلوخ، لقد حصلتم على إسرائيل، وإن لم تسمحوا للفلسطينيين بدولة لهم في غزة والضفة فلن ينتهي هذا الصراع أبداً. "ليس علينا أن نجد حلاً لكل شيء الآن." هل أنت راض عن أن أولادك سوف يرثون هذا الصراع؟ "راض؟" ويرتفع صوته قليلاً "كانت أختي في الباص الذي فجروه. السيدة الجالسة الى جوارها قتلت. اضطروا إلى بتر أعضاء الأطفال. أنا لست راضياً!" هل ترى أنه من الصواب أن يرث أبناؤك هذا الوضع؟ "أولئك الأطفال في الباص... أدعو الله ألا يطلب مني أن أدفع ذلك الثمن الباهظ. لكنه إن طلبه، فسوف أدفعه." ونحن نبتعد عن بساجوت أشعر بالخواء. أنظر في أوراقي فأجد أني لم أسجل شيئاً عن مظهر الغرفة التي جلسنا فيها... سوى أنها كانت عارية، وعملية، ومشمسة، وتطل على رام الله. كان سائق التاكسي حتى وفي جيبه مئة دولار متوتراً ومسرعاً، ودخل في مشادة مع شاب إسرائيلي مسرع هو الآخر وسمعت من شباك السيارة: "... اختك!" أسأل "هل يقولون هذا بالعبرية أيضاً؟" تقول جودي: "كان يشتمه بالعربية." قالت لي ريتا هنية: أرى حريقاً كبيراً. حريقاً كبيراً يأتي ليبتلعنا جميعاً: إسرائيليين وفلسطينيين، إن لم يتحرر الشعب الفلسطيني من أغلاله." الساعة الواحدة والنصف في طريق العودة إلى الجسر أرى أن الجيش قام بحفر خندق جديد بين الطريق ومدينة أريحا. في ما بعد يحلُّ عليّ الإرهاق لحظة أن أصل إلى لندن. شكّل هذا الصراع جزءاً من حياتي طول حياتي. لكن رؤيته على أرض الواقع تختلف. ماذا أستطيع عمله سوى الشهادة؟ انني غاضبة أكثر من ذي قبل. ولا أصدق أن ما يحدث في فلسطين كل يوم للنساء والرجال والأطفال أمر يسمح له العالم بأن يستمر. ان الخيار في يد إسرائيل. يمكنها أن تعيد الضفة وغزةوالقدسالشرقية وتعيش داخل حدودها كأمة وسط الأمم. أما أهل فلسطين فلا خيار أمامهم. إيلان حلبي، يهودي حارب في صفوف منظمة التحرير، يقول أنها مسألة الصورة الذكورية الماتشو. إسرائيل لا تريد أن تكون صورتها "الولد السمين" الذي يضطهده الكل في الشرق الأوسط. يقول آخرون أن إسرائيل لا تريد أن تكون أمة مثل الأمم. بل هي تريد أن تظل صورتها محاصرة، شجاعة، وتريد ما يترتب على هذه الصورة من عدم المساءلة وبلايين الدولارات. إن كان الأمر هكذا فقد انضمت حكومة إسرائيل إلى حكومات أخرى في المنطقة لا تحكم بما فيه مصلحة شعوبها. يقول المصور عوض عوض أن حكومة إسرائيل أعلنت أنها لن تجدد رخص المصورين الفلسطينيين الذين يعملون مع الإعلام العالمي. وماذا ستفعل؟ سأستمر في التقاط الصور. أنا مصور. رأيت نساءً يدفعن بأبنائهن خلف ظهورهن ويصرخن في الجنود "ابعدوا عنا، كفوا حركشة بالشباب!" سمعت رجلاً يقول "عندي 4 أبناء ولا أجد عملاً. ليس عندي ما يأكلونه. فليخرجوا ويستشهدوا إن كان في هذا خير للبلاد. إن كان هذا سينهي هذه الأوضاع." رأيت أطفالاً يرقبون بهدوء قتيلاً جديداً، وجنازة جديدة. وحين بكيت قالوا "هذه أمور جديدة عليها." سمعت الناس في الشوارع تتنبأ بأن القيادة سوف تعقد اتفاقاً مع اسرائيل: "وإن لم يأتونا بالاستقلال وحق العودة للاجئين ستندلع النار في الشوارع." في فلسطين يحتفلون بالأعراس حول فناجين القهوة. وحين يقتل شاب، يمسكون بأمه، يسندونها إلى جانب قبره، يقولون: "زغردي يا أم الشهيد!" يقولها أصحابه، الشباب الذين قد يقتلون غداً. تقول لي سيدة "لا تسمعين زغاريدنا اليوم إلا في مواجهة الموت. انقلب عالمنا رأساً على عقب." * روائية مصرية مقيمة في لندن.