نعى إمام وخطيب المسجد الحرام الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، عبد الرحمن بن عبدالعزيز السديس، الفقيد الأمير بندر بن عبدالعزيز، الذي وافته المنية قبل يومين، موضحًا أنه شرف بزيارته كثيرًا؛ وكان يرغب أن يعطّر مجلسه بالتلاوة والقراءة من كتب العلم والتاريخ والأدب وبلغ من حبه للعلماء أنه كان يزورهم في بيوتهم. وقال الشيخ السديس في مقال رثاء نشرته الرئاسة العامة لشؤون الحرمين الشريفين: الحمد لله المتفرد بالدوام والبقاء، المنزه عن العدم والفناء، تفرد سبحانه بالدوام، وجعل الموت نهاية كل الأنام, وأصلي وأسلم على من قال له ربه (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون)، وقال له جل وعلا: (إنك ميت وإنهم ميتون)، صلى الله وسلم وبارك عليه, وعلى آله الأتقياء, وصحبه الأوفياء، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما دامت الأرض والسماء, وسلم تسليمًا كثيرًا. أما بعد: فبمزيد من الإيمان بقضاء الله وقدره والرضا بحكمه في صفاء الأمر وكدره، وببالغ الحزن والأسى وفي الحلق شجن وشجى، ننعى الأمير بندر بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله رحمة الأبرار، وألحقه بعباده الأخيار، وأسبغ عليه الرحمة والغفران، وأمطر على قبره شآبيب العفو والرضوان. ومع فداحة المصيبة، وعظم الفجيعة، فلا يملك المسلم حيالها إلا الرضى والتسليم، والتدرع بالصبر والاحتساب: أصبر لكل مصيبة وتجلد واعلم بأن المرء غير مخلد، وإذا أتتك مصيبة تشجى بها فاذكر مصابك بالنبي محمد. فلم يعرف التاريخ فجيعة أعظم من فقد المصطفى عليه الصلاة والسلام, وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من عظمت مصيبته فليذكر مصيبته فيّ فإنها ستهون عليه). فلله ما أعطى ولله ما جزى وليس لأيام الرزية كالصبر، إنها سنة الله في الكون، (ولن تجد لسنة الله تبديلًا)، فالموت كأس وكل الناس شاربه تحسى مرارته الأنبياء والأولياء والعلماء والزعماء و النبلاء. كل حي سيموت ليس في الدنيا ثبوت حركات سوف تفن ثم يتلوها خفوت ليس للإنسان فيها غير تقوى الله قوت لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى، والحمد لله على قضائه وقدره, وإن القلب ليحزن، والعين لتدمع ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، إنا لله وإنا إليه لراجعون. فيا راحلاً عنا رحيلاً مؤبداً عليك سلام الله ما الصبح أشرقا إلى الخلد في دار البقاء منعماً تروح وتغدو في الجنان محلقا وتابع السديس: لقد عرف عن الأمير بندر بن عبدالعزيز السجل الحافل من جلائل الأعمال ونبل الخصال وكريم الشمائل والفعال، واشتهر بالصلاح، والترقي في مراقي الفلاح، وعلو المراتب والنجاح، وكان ضرب المثل في التواضع مع الآخرين، والتبسط للزائرين، وحب العلماء والصالحين، وأعمال البر والخير أجمعين، ولما لا وهو سليل مدرسة الإمام عبدالعزيز بن عبد الرحمن، وقد عرف عنه زهده في المناصب، بلغه الله أعلى المراتب. وأضاف: كان لي شرف التعرف عليه في رحاب الحرم الشريف؛ حيث كان، رحمه الله، يحرص على المجاورة فيه، والصلاة والصيام والاعتكاف فيه، حيث كان يسكن في عمارة متواضعة في المروة، وكان يصلي جميع الصلوات في الحرم، ويفتح بابه للفقراء والمساكين والعلماء والمحبين، ويخصص وقتًا لزيارة الدعاة والعلماء، ويعمر وقته بالذكر والتلاوة، وقد شرفت بزيارته كثيرًا؛ وكان يرغب أن يعطّر مجلسه بالتلاوة، والقراءة من كتب العلم والتاريخ والأدب، وبلغ من حبه للعلماء أنه كان يزورهم في بيوتهم، خاصة في عيد الفطر المبارك، وقد شرفني في منزلي في العزيزية، ومنزل الوالد، رحمه الله، في العوالي، ثم منزلي في العوالي أيضًا بصحبة أبنائه الكرام، ليقدم درسًا تربويًا لهم في حب العلماء والأئمة، وكان له فضل عليَّ بالتشجيع الأبوي لي، وكان يبدي إعجابه بالتلاوة والأدعية والخطب؛ ما كان له عظيم الأثر في نفسي ونفوس زملائي. وقال السديس: إن الأمير بندر بن عبدالعزيز كان يتعهد الأئمة بالسؤال والاهتمام، وأذكر أنه من لطفه وأريحيته أن مرت علي نوبة زكام في آخر رمضان، فلما زارني يوم العيد قال لي: سلامات، ودعا لي فقلت له ملاطفًا: الله يحسن الخاتمة يا سمو الأمير فرد علي مبتسمًا: لا تقل هذا، بل أنت شباب، والله يمد في عمرك حتى تكون إمامًا للحرم حتى تموت، ولهذا أنا مدين له بالأبوة والحنوة، فهو حقًا والد الجميع، رمز التحفيز والتشجيع، لا تكاد تسمع في مجلسه نَبْوة أو تَطَّلع منه على هفوة، وكان في آخر حياته رمزًا للمؤمن الصابر المحتسب، فعلى الرغم مما ألمّ به من عوارض صحية إلا أنه صبر وصابر ورابط واحتسب، جعل الله ما ألم به رفعة في درجاته ومضاعفة في حسناته. ولفت السديس إلى أن: مما يحسن التذكير به لأبنائه وأحبائه إصدار المؤلفات في تسجيل مواقفه، وإنشاء مؤسسة خيرية باسمه، ليكون ذلك امتدادًا لعطائه، وذخرًا له بعد وفاته، وكذلك تسجيل الأطروحات العلمية عن جهوده في خدمة دينه ووطنه يرحمه الله.. وإننا بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره لنرفع أحر التعازي وأصدق المواساة إلى مقام ولاة أمرنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان وابنه الأمير فيصل بن بندر وإخوانه وأخواته الفضليات والأسرة الكريمة، وأبناء هذه البلاد خاصة، وأمة الإسلام عامة، سائلين الله بأسمائه الحسنة وصفاته العلا أن يلهم الجميع الاحتساب والصبر، وأن يعظم لهم والمثوبة والأجر، وألا يُري الجميع مكروها في عزيز لديهم، كما نسأله سبحانه بأسمائه الحسناء وصفاته العلى أن يرحم فقيدنا ويجزيه خير الجزاء، كفاء ما أبدى ولقاء ما أسدى وجزاء ما قدم وأعطى، وأن يجمعنا به في عليين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين إنه خير مسؤول وأكرم مأمول, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.