لم تعد الأممالمتحدة منظمة دولية محايدة، تهدف إلى إحقاق الحقوق ونشر السلم والعدل الدوليين، كما جاء في ميثاقها، بل باتت منظمة تخدم مصالح الأقوياء فيها، لاسيّما الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي. فلسطينالمحتلة في أروقة الأمم المتّحدة: وكلّما تعلق الأمر بالكيان الصهيوني وتجاوزاته للقرارات الدولية وضربها بعرض الحائط، اتّخذت القرارات الصادرة عن الأمم المتّحدة الطابع المصلحي، لاسيّما أنَّ الولاياتالمتحدة الأميركية، كانت الدولة الوحيدة من بين الدول الخمس دائمة العضوية التي استخدمت حق النقض “الفيتو”، لصالح إسرائيل. ووصل عدد القرارات التي فشل فيها مجلس الأمن في إدانة إسرائيل إلى 82 قرارًا، بدءًا من عام 1967، عندما استخدمت واشنطن الفيتو لأول مرة للحيلولة دون صدور نص قرار وقف إطلاق النار، في الخامس من حزيران/ يونيو، وانسحاب القوات المتحاربة إلى خطوط الهدنة السابقة. وفشل المجلس عام 1973، وتحديدًا في 26 تموز/ يوليو، قبل حرب تشرين الأول/ أكتوبر، في تمرير قرار تقدمت به مجموعة دول آسيوية ولاتينية، يؤكّد الحق الفلسطيني، ويطالب بالانسحاب من الأراضي العربية التي احتلتها القوات الإسرائيلية، وكذلك فشل في الموافقة على مشروع قرار عربي يدين حادث الهجوم على المسجد الأقصى. فشل متعدد: وفي شأن الحرب الإسرائيلية الأولى ضد لبنان عام 1982، كانت مرات الفشل متعددة، تتلخص في: * عدم تمرير مشروع قرار إسباني بإدانة الغزو الإسرائيلي للبنان. * فيتو أميركي أفشل مشروع قرار فرنسي بشأن الاجتياح الإسرائيلي للبنان. * تصويت الولاياتالمتحدة ضد قرار يستنكر مذابح مخيمي اللاجئين الفلسطينيين في صبرا وشاتيلا بجنوبلبنان. * في عام 1988 أدت مساعي واشنطن إلى إعاقة مشروع قرار في مجلس الأمن يستنكر الاعتداءات الإسرائيلية على جنوبلبنان ويطالبها بوقف أعمال التعدي على الأراضي اللبنانية، والإجراءات التعسفية ضد المدنيين. * فشل في إصدار قانون يدين الانتهاكات الإسرائيلية لحرمة المسجد الأقصى، ويرفض مزاعم إسرائيل باعتبار القدس عاصمة لها. * فشل إصدار قرار يستنكر سياسة القبضة الحديدية وتكسير عظام أطفال الحجارة خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى. مصالح الكبار تحكم الأمم المتّحدة: منذ عام 1997 وحتى عام 2006، أعاقت الولاياتالمتحدة عشرة قرارات تدين إسرائيل، تضمّنت: * آذار/ مارس 1997: عجز المجلس عن إصدار قرار يطالب إسرائيل بوقف أنشطتها الاستيطانية في القدسالشرقيةالمحتلة. * مارس 1997: فيتو أميركي أعاق قرار إدانة إسرائيل بسبب المستوطنات اليهودية شرق القدس. * مارس عام 2001: فشل الأعضاء الخمس عشرة في إصدار قرار يسمح بإنشاء قوة مراقبين دوليين لحماية الفلسطينيين في الضفة الغربيةوغزة. * كانون الأول/ ديسمبر 2001: فشل مشروع قرار يطالب بانسحاب إسرائيل من الأراضي الخاضعة للسلطة الفلسطينية ويدين التعرض للمدنيين. * ديسمبر 2002: إحباط مشروع قرار سوري يدين قتل القوات الإسرائيلية لعدد من موظفي الأممالمتحدة في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة. * تموز/ يوليو 2003: فيتو أميركي ضد مشروع قرار لحماية الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات عقب قرار الكنيست الإسرائيلي بالتخلص منه. * يوليو 2003: فشل قرار يطالب بإزالة الجدار العازل الذي تبنيه إسرائيل ويمزق الأراضي للسلطة الفلسطينية. * آذار/ مارس 2004: نجحت الولاياتالمتحدة في إسقاط مشروع قرار يدين إسرائيل لقيامها باغتيال الشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة المقاومة الإسلامية “حماس”. * تشرين الأول/ أكتوبر 2004: إسقاط مشروع قرار يطالب إسرائيل بوقف عدوانها على شمال قطاع غزة والانسحاب من المنطقة * تموز/ يوليو 2006: فشل مجلس الأمن في تبني قرار يطالب بإطلاق سراح الجندي الإسرائيلي المحتجز من قبل الفصائل الفلسطينية المسلحة مقابل إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال، ويطالب بوقف الحصار والتوغل الإسرائيلي في قطاع غزة. ليس العرب وحدهم الضحيّة: وإذا كان هذا حال مجلس الأمن في القضايا المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي، فإنه لم يختلف كثيرًا في التعامل مع قضايا دول أخرى مثل جنوب إفريقيا، وفشله في وضع حلول سريعة للسياسة العنصرية. كما فشل في حل الأزمة القبرصية بين تركيا واليونان، وكذلك لم يقدم شيئًا لأبناء البوسنة والهرسك الذين قتلتهم القوات الصربية في حرب كوسوفو. وبعد كل ذلك الفشل، لم يعد هنا سبب لبقاء المجلس؛ لأنه باختصار لم يعد سوى هيئة شكلية لا تسمن ولا تغني من جوع، بل ربما تحول إلى مظلة لتنفيذ المخططات الإسرائيلية. إخفاقات متتالية: وأكّد الدكتور إبراهيم عنان، أستاذ القانون الدولي، أنَّ “الأمم المتّحدة باتت منظمة تحكيم دولية تقود العلاقات الدولية بما يحفظ لكل الدول حقوقها ويصون سياستها واستقلالها، ولم تحقق حتى الآن الأهداف المرجوة منها، فواقع الحال يؤكّد أنها أخفقت فيها إخفاقًا شديدًا”. وأوضح عنان أنَّ “النزاعات الدولية زادت رقعتها وارتفعت نيرانها وضحايا الحروب غير العادلة يتساقطون بكثافة كحبات المطر في عز الشتاء، دون أن تسجل الأممالمتحدة أي تحرك عملي”. وأشار إلى أنَّ “العيب ليس في الأسس أو قواعد القانون الدولي بل العيب في التنفيذ فالأممالمتحدة منذ نشأتها كانت تعمل في غطاء وظروف دولية أطلق عليها البعض الحرب الباردة، فكانت قادرة على تحقيق بعض الأهداف في التخفيف من حدة الانقسام فنجحت في احتواء الأزمات العالمية”. القناة الشرعية لأعمال الدول المهيمنة: وأضاف مستدركًا: “لكن بعد 1990 انتهت الحرب الباردة وتحللت الكتلة الشرقية وإنهار الفكر الشيوعي وانهارت معه القوى الثانية وترتب عليه انفراد الولاياتالمتحدة الأميركية بزعامة القطبية الواحدة، ومنذ تلك اللحظة تحركت الرغبات الكامنة للولايات المتحدة، لتعلن الهيمنة الأميركية على العالم كله، فبدأت الولاياتالمتحدة تشن حروبًا هنا وهناك تحت شعارات زائفة، رفعتها لتبرير نهب ثروات شعوب العالم الثالث، فنرى ذلك واضحًا في سعي أميركا في الاستناد لضربتها العسكرية ضد العراق قرار مجلس الأمن كغطاء شرعي لها، هذا بخلاف المبررات التي اختلقتها أميركا لإقناع الرأي العالمي بأنها تكافح الإرهاب، فهي تبحث دائمًا عن استدامة السيطرة والهيمنة، فاستخدمت الأممالمتحدة باعتبارها القناة الشرعية كأداة لأعمالها غير المشروعة فهي تعد الملاذ الوحيد لديها للسيطرة مستغلة بعض الدول المتحالفة معها”. يلفظ أنفاسه الأخيرة بعدما فقد المصداقية: ومن جانبه، رأى السفير حسن عيسى المستشار الأسبق لوزير الخارجية المصري أنَّ “الأممالمتحدة جهاز كبر في السن ويلفظ أنفاسه الأخيرة؛ فهو جهاز إداري متعفن، استولت عليه الولاياتالمتحدة الأميركية، وفقد المصداقية كمنظمة دولية لدى شعوب الأرض، فهذه لم تتحرك أمام المخالفات التي ترتكبها الدول الكبرى صاحبة الفيتو، بينما تفرض أغلظ العقوبات على الدول الصغيرة، فهي تكيل بمكيالين، ولهذا فقدت أهم صفاتها العدل والنزاهة والموضوعية، فقراراتها يجب أن تنصاع لها العراق وسوريا وجنوب أفريقيا وإلا فالعقاب سيكون قاسيًا ورادعًا وفوريًّا، أما إذا ضربت إسرائيل بالقرارات الأممية عرض الحائط فكأن شيئًا لم يكن؛ لأنَّ الفيتو الأميركي يشكل درعًا فولاذيًّا واقعيًّا يحمي إسرائيل وسياسة إرهاب الدولة التي تمارسها باستمرار”.