بيّنتُ في الحلقتيْن الماضيتين بعض الأدلة، التي تُثبت عدم صحة الرواية، التي استند عليها بعض الفقهاء في عدم مشروعية الحفاظ على الآثار النبوية، وأواصل في هذه الحلقة بيان عدم صحتها: 1- أنّ عمر بن عبدالعزيز حفيد عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- في توسعته للمسجد النبوي عام 91ه أدخل حجرة عائشة- رضي الله عنها- فيه (والمعروفة حاليًا ب»الحجرة النبوية الشريفة»، والتي تقع في الركن الجنوبي الشرقي من المسجد) والمدفون فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر- رضي الله عنهما-، وتحرّيه المواضع التي خطّها وصلّى فيها النبي في المدينةالمنورة، وبنى فيها مساجد في فترة ولايته على المدينة، ليُصلِّي الناس فيها اقتداءً بالنبي الكريم، وأورد مؤرخ المدينةالمنورة عمر بن شبه النميري البصري (173- 262ه): «قال أبوغسّان، وقال لي غير واحد من أهل العلم من أهل البلد: إنّ كل مسجد من مساجد المدينة ونواحيها مبني بالحجارة المنقوشة المطابقة، فقد صلّى فيه النبي- صلى الله عليه وسلم، وذلك: أنّ عمر بن عبدالعزيز حين بنى مسجد رسول الله سأل- والنّاس يومئذ متوافرون- عن المساجد التي صلَّى فيها رسول الله، ثمّ بناها بالحجارة المنقوشة المطابقة..»، يقول العلّامة الإمام الحافظ أبوعبدالله محمد بن محمود النّجار(578- 643ه) عن المساجد المأثورة بالمدينةالمنورة: «فهذه الآثار كلها آثار بناء عمر بن عبدالعزيز»، وقد شهد ذلك عدد من الصحابة، وفي مقدمتهم أنس بن مالك رضي الله عنه، (توفي 93ه) وعبدالله بن بسر المازني (توفي 96ه) ومحمود بن لبيد الأنصاري (توفي 98ه)، ويوسف بن عبدالله بن سلام (توفي في خلافة عمر بن عبدالعزيز) وأبوالطفيل عامر بن واثلة (توفي 100ه)، فهل نحن أفهم للدين منهم جميعًا؟ فعندما سُئل أحد الفقهاء المعاصرين هذا السؤال: ما حُكم الصلاة في مسجد في قبلته قبر؟ أجاب قائلًا: «لا يجوز أن يُوضع في المسجد قبر، لا في قبلته ولا خلف المصلِّين، ولا عن أيمانهم، ولا عن شمائلهم، وإذا دفن أحد في المسجد ولو كان هو المؤسس له، فإنّه يجب أن يُنبش هذا القبر، وأن يُدفن مع الناس»، مع أنّه سبق وأن أراد البعض تغيير وضع الحجرة النبوية بإخراج القبر الشريف المكرم من المسجد، فلما سمَّع بذلك الملك خالد بن عبدالعزيز - رحمه الله- غضب غضبًا شديدًا، وثارت فيه الحمية الدينية وتكلم كلامًا رادعًا لصاحب ذلك الاقتراح، سمعه مَن كان حاضرًا في المجلس، ولعل منهم لا يزال على قيد الحياة. 2- وهكذا تبيّن لنا عدم صحة الرواية التي سُلّم بصحّتها، وبموجبها هُدم الكثير من المساجد التي خطّها وصلَّى فيها النبي- صلى الله عليه وسلم-، ورُدم الكثير من الآبار والمواقع في مكة المكرّمة والمدينةالمنورة، مثل الخندق الذي حفره الرسول الكريم وبعض الصحابة ليكون طريقًا للسيارات! [email protected]