سعيد بن محمد القحطاني، الدوحة الظليلة ل(720) أصم في المملكة.. هو أصم فقد السمع بمرض الحمَّى الشوكية، ولكن أمّه «فلوة» التي لا تقرأ، ولا تكتب، وتعيش في قرية سراة عبيدة جوف آل معمر في جنوب المملكة دعمت ابنها، ووقفت بجانبه، ورفضت وصفه ب(الأصم). عاش سعيد بألقاب يصفون به الأصم (الأطرم، الأعجم) في مجتمع يعتبر (الأصم) معطلاً عن العطاء والحب.. فسعيد (أصم) لكنه صوت قصيدة.. معاناته إيقاعها، وطموحه سيرتها.. وأثره خلودها.. كان يحلم يومًا بمقر للصم، فقرر أن يعمل خيمة يتجمّع فيها الصم مقرّها الحدائق العامة، مكتوب على بابها «نادي الصم».. وفي أحد ميادين شوارع الرياض، حيث لفتت نظر صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد -طيب الله ثراه- وعلى الفور صدر أمره بتأسيس أول نادٍ للصم بالرياض عام 1400ه، وإذا بذلك الأصم يؤسس (22) مركزًا ثقافيًّا اجتماعيًّا رياضيًّا للصم في السعودية، ويرأس الاتحاد السعودي لرياضة الصم، واللجنة العربية لرياضة الصم، ثم عضوًا في الاتحاد الدولي لرياضة الصم، وعضوًا في مجالس عدد من الجمعيات والاتحادات المحلية والعربية، وممثل للاتحاد الآسيوي للصم في المنطقة العربية.. القحطاني.. رجل يحمل قضية الصم كحياة ويركض بها مختالاً على الدنيا.. يزهو بها على كل القضايا.. هي فرحته وابتسامته والليل الطويل الذي يسهر فيه بملء إرادته من أجلها.. ثم يستيقظ بها على إشراق بشوش وصباح حالم.. قليلون جدًّا أولئك الذين يتصالحون مع معاناتهم.. لكن من يجعلونها شجرة مثمرة نادرون، ومبدعون بوجودهم.. وهذا ما عليه القحطاني وسيرته مع الصم. فقد أحب ذلك الرجل (الصم) كما تصفه ابنته منيرة، صارت الشمس لا تطلع على حياته إلاَّ من باب تقديم الخدمات للمعاق سمعيًّا، ولا تغرب إلاَّ وقد أنجز ما نوى.. يكتب (يشتد حزني كلَّما ذكرت أن بعض من مجتمعنا يقف ضدنا صارخًا لا يليق برجل معاق أن يعمل، أو يتزوّج، أو يرتبط بأنثى وكأنّهم يضعون لنا معايير للحب لا يجدر أن نخل بها لننال تبريكاتهم بهذا الحب.. تجاهلوا أننا معًا نستطيع أن نتخطى عقبة الصوت لنكون صمتًا ناطقًا، ويكونوا لنا صوتًا صامتًا..!) إنّه القحطاني الذي فقد السمع لكنّه لم يفقد الحب، لم يفقد اليقين بأنّ العجز أيًّا كان أقلّ من مقاومته بالحلم بالطموح بالعمل.. ولازال يطالب بلغة الإشارة لنشرة الساعة التاسعة مساءً بقنواتنا السعودية. القحطاني نموذج إنساني مبهج للإصرار على التميّز.. نموذج لخلق العمل من الأمل.. والحضور من القصور.. نموذج للصمت الذي يفوق القول، وللإنصات الذي يتجاوز الكلام. [email protected]