كنتُ أحاول هذا المساء مكافحة قسوة قلبي بشكل سلميٍّ فحبستُ نفسي في نفسي.. لم يكن حبسي لنفسي داخل نفسي هربًا من الناس، أو تأنيبًا لها، ولكنني كنت معاقبة لنفسي بما يكفي.. فحينما تشتد الأمور أعالج نفسي بالصمت. كانت سعادتي كبيرة أن أجني فائدة نفسية من هذه الخلوة الصمتية.. فما أن أعدت تلك اللحظات التي كان يطالب فيها رئيس نادي الصم بجدة الأخ عدنان عبدالله عريف بحقوق الصم في أحد اللقاءات الأسبوع الماضي.. يُضَاف إلى صفات عدنان (فاقد السمع) نقاءُ نفسه من الشوائب التي تُفْسِد وجدان المرء، يقابل ذلك تسَامحُ القلب، وعَفْويةُ الخاطر، وحبُّ الناسِ. مسْكُونًا بعشْقِ قضية الصم، فِعْلاً وفاعلين. اعتبرت نفسي محظوظة.. فالعثور على حافز -ممّن فقدوا الكلام- يُطالبون بحقوقهم ومشاركتهم في المجتمع، كانت هدية السماء لي، كالبحث عن قطرة مطر نقية قبل أن تلامس تراب الأرض. سأل أخونا عدنان: "لماذا لا تبث نشرات الأخبار في القنوات المرئية المحلية بلغة الإشارة"؟! ففي قنواتنا السعودية كمثال على ما يوازيه في الوطن العربي، هناك كثير من القرارات، والتعاميم الرسمية، والأخبار المحلية والعالمية تبثها القنوات في نشراتنا وتهمنا، وتهم حياتنا، لكنها لا تصلنا لفقدِ عنصر التواصل بلغة الإشارة. أمّا الانكسارات والتشققات من عدم معرفة أخبارنا المحلية -كأناس فقدوا السمع- لا تخلّف في أنفسنا -أيّها المحاضر- سوى الخيبات والألم. كان عدنان يتوقع من كل مسؤول يُقابله في محفل أو لقاء أن يُساعد في حل مشكلات الصم. كنتُ أنصتُ لأخينا عدنان عبدالله عريف -الذي فقد السمع والنطق- بألمٍ في نفسي وفؤادي، كنت أُعبِّر عن موافقتي بأن أهزُّ رأسي بنشوة، وكأن السؤال يخص عدنان. كانت أغلب كلماته غير مفهومة، لكنها كانت تغوص في قلب القاعة كبلّور يحتضن نور.. أضاء صوته الظلام في قلوبنا.. لم يتمكن أحد من تهميش سؤاله.. كنا نحتاج لصوتك يا عدنان ليبث فينا قوة المثابرة. لم تُمحَ مطالبكم يا عدنان من أذهاننا.. فلازالت عالقة في نور العين. كان فقد السمع زادَها وماءَها وعطرَها! ستظل قضيتكم مذاقها لنا كريق النبات. بقي عدنان الأصم في القاعة، وبقينا معه نعتصر ألمًا بعد مغادرة المحاضر. [email protected]