طريق العودة اليوم من مدريد؛ يأخذنا بالقرب من بركان «إتنا»!، نعم الطيران بالقرب من الدخان البركاني محظور، بل وهناك تحذيرات دورية ونشرات للنشاطات البركانية، وعندما انفجر بركان آيسلندا الذي احتار في نطق اسمه -ذي الستة عشر حرفًا- مراسلو شبكات التلفزة حول العالم، أربض الطائرات في حظائرها قرابة الثمانية أيّام، فنشطت القطارات والطرق السريعة في أوروبا. الدخان البركاني جد خطير، فهو بجانب أنه يُلحق أضرارًا بالمحركات ويوقفها، وبجانب أنه يُحدث خدوشًا عميقة في زجاج الطائرة الأمامي فيُعيق الرؤية في مرحلة الهبوط.. فإنه يتسلل إلى كابينة الطائرة مع الهواء الداخل إلى أجهزة التكييف، ولو علم كثير من الركاب أن الهواء الذي يتنفسونه قادم من المحركات عبر أنابيب إلى داخل الطائرة، لما راق لهم ذلك! لعل جهلنا بأمورٍ كثيرة يُغنينا عن الحيرة، ففي الاختيار حيرة، كما يقول المثل الألماني. عام 1982م، وقبل تطور أجهزة الرصد والأقمار الصناعية، وبينما كانت طائرة الخطوط البريطانية تشق طريقها بسلام في رحلة بين لندن وأوكلاند، تعطل أحد محركات الطائرة الأربع وبينما كان طاقمها يُجاهد في طيران الطائرة تارة، وفي محاولة إعادة تشغيل المحرك المعطوب تارة أخرى، تعطّلت المُحرِّكات الأخرى، الواحد تلو الآخر، فأدرك الطاقم أنهم داخل سحابة بركانية ضخمة. لكن الطاقم الشجاع ثابر حتى النهاية بعد أن فقدت الطائرة عشرة آلاف قدم في دقائق، واستطاع أن يعيد تشغيل المحركات المتضررة، ولو لتُكمل بضع دقائق لهبوط الطائرة! وحين خرجت الطائرة من السحاب البركاني أفسد فرحة ذلك الأمر الخدوش الكثيفة على الزجاج الأمامي، لكن لا مناص من الهبوط بذلك الطائر الجريح، فكان قائدها يسترق النظر من الزجاج الجانبي الأقل تضررًا ليُوجِّه الطائرة يمنةً ويُسرة، حتى حطّت الطائرة بسلام، ونجا الجميع، لتوهب لهم حياة جديدة. إلا أن «إتنا» اليوم نائمة، مثل كثير من السيدات.. هادئات إلى حين. «إتنا» نشطة باستمرار ومنذ عصور سحيقة صُنف بركان «إتنا» مع سبعة عشر بركانًا حول العالم كبراكين «عقدية»، يعيش الناس حوله، فيزرعون تربة خصبة غنية بالمعادن.. هكذا يطوع الإنسان المستقر البيئة من حوله ويستخدمها.