حل الدولتين يلفظ أنفاسه الأخيرة والاستيطان حسم مستقبل الأرض اعتبر مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية أن خيار حل الدولتين في مشروع السلام الفلسطيني الإسرائيلي يلفظ أنفاسه الأخيرة بسبب سياسات تل أبيب التي حاصرت مشروع السلام وقتلت فكرة إقامة دولة فلسطينية مستقلة في مهدها، وقال المركز: إنه لم يكن حل الدولتين الذي اضطر الفلسطينيون لتبنيه خيارهم الطوعي الأول؛ بل نتاج اضطرارات الاستجابة للممكن السياسي في ظل ظروف وموازين قوى فرضت عليهم، فهو كان محصلة لظروف قهرية، في مقدمتها نجاح الحركة الصهيونية في تعزيز عوامل نجاح مشروعها على الأرض المحتلة عام 48 من جهة، ومخاطر ابتلاع المزيد من الأرض التي احتلت عام 67 بواسطة المشروع الاستيطاني، بما في ذلك مشروعات تهويد مدينة القدس وإفراغها من سكانها وطمس معالمها وهويتها العربية الإسلامية من جهة ثانية، فأصبح خطاب الواقعية السياسية خطابًا مركزيًا محمولًا على شعار «إنقاذ ما يمكن إنقاذه» وحماية المشروع الوطني الفلسطيني المتمثل بإقامة الدولة. بيد أن الفلسطينيين الذين قطعوا طريقًا سياسية طويلة من العودة وتحرير كامل التراب الوطني الفلسطيني، إلى الاعتراف بإسرائيل والقبول بدولة في أقل من 22% من فلسطين؛ صدموا بعد عقدين من التفاوض المباشر مع عدد من الحكومات الإسرائيلية، التي مثلت مجمل التيارات السياسية الصهيونية، ان مختلف القيادات والنخب السياسية والعسكرية الاسرائيلية ترفض صراحة إقامة دولة فلسطينية على الأرض المحتلة سنة 67. وليس مصادفة أن قضية الصراع الفلسطيني الاسرائيلي والانشغال بالتسوية السياسية للصراع غابت عن أجندة مختلف الأحزاب الاسرائيلية خلال الدورتين الانتخابيتين الأخيرتين للكنست؛ بل أكثر من ذلك أن يتحول جوهر المشروع الاستيطاني إلى أحد مكونات الإجماع السياسي الإسرائيلي، فضلًا عن قضايا القدس واللاجئين والسيادة الاسرائيلية ويهودية الدولة، بما يجعل الدولة الفلسطينية في أحسن أحوالها سلطة إدارية للفلسطينيين تحظى برموز وشهادات واتفاقيات واعتراف سياسي فخري وشكلي. الراحل الشهيد عرفات كان يعبر في بداية مفاوضات التسوية عن تفاؤله بنجاح المفاوضات وإقامة الدولة بمقولته الشهيرة «الدولة على مرمى حجر»، لكنه بعد مفاوضات «كامب ديفيد» كان يهتف بشعبه دومًا «على القدس رايحين، شهداء بالملايين»، ويبدو أنه كان يدرك منذ ذلك الوقت فشل التسوية في تحقيق استعادة الأرض، أرض ال67 وإقامة الدولة مقابل السلام. لقد كانت مفاوضات مدريد، وما تبعها من توقيع اتفاق أوسلو سنة 93، على المستوى الفلسطيني كأحد النتائج بعيدة الأثر لحرب عام 82 وللحالة العربية والدولية، ومن الجانب الإسرائيلي كانت بفعل تداعيات الانتفاضة الأولى على الوعي السياسي الإسرائيلي وتدهور مكانة إسرائيل، التي ساهمت في خلق قناعات بضرورة التخلص من أعباء الاحتلال المباشر بثمن سياسي محدود مقابل مكاسب اسرائيلية هامة، فمثلت الاتفاقية من الناحية الفلسطينية تنازلًا كبيرًا، حيث كان سقفها أقل سياسيًا وسياديًا من دولة وأرض وحدود أقل من ال67، وقد مثل ذلك لدى إسرائيل ولدى الراعي الدولي الانتقال من مرحلة الصراع الكلي إلى مرحلة أمّنت لإسرائيل الاعتراف بنتائج حرب ال48، وحصر مفاوضات التسوية على الأراضي «المتنازع عليها» التي احتلت عام 67، ويلخص ذلك رابين بقوله «على الجميع أن يتذكر من انتصر عام 67، وعلى الفلسطينيين ان يقبلوا شاكرين ما يمنح لهم». مسيرة الخداع والمناورة منذ أن انطلقت مسيرة مفاوضات التسوية أو ما يعرف بعملية السلام في كل مراحلها، وبكل مشروعاتها ومسمياتها؛ أدارت إسرائيل بشراكة دولية مسيرة خداع ومناورة وتضليل للتهرب من التوصل إلى تسوية تفضي إلى إنهاء الاحتلال وإقامة دولة ال67، ولتقطيع الوقت واستغلال عامل الزمن في فرض الأمر الواقع، وتغيير ديموغرافيا الضفة والقدس، بما يفرض على أي تسوية أن تراعي الانتشار الاستيطاني الكبير والمتزايد دومًا، فضلًا عن مراعاة توفير متطلبات تأمين الهواجس الأمنية الاسرائيلية التي لا تعرف حدودًا. ومن الملاحظ ان جميع مشروعات التسوية (خطة كلينتون، وتقرير ميتشل، وخارطة الطريق، ومبادرة جنيف، ومفاوضات أنابوليس، وإطار كيري.. الخ) تتحدث عن الدولة الفلسطينية بعمومية، منتقصة من سيادتها ومساحتها، وهي في أحسن الأحوال قابلة للحياة، لكنها جميعًا تجمع على أن من حق اسرائيل أن يكون لها حدودًا قابلة للدفاع؛ الأمر الذي يعني أن من حق إسرائيل التمدد داخل أراضي ال67، والاعتراف أيضًا أن أي تسوية ستراعي التغييرات الديمغرافية «خطاب ضمانات بوش لشارون سنة 2003»، إضافة لمبدأ تبادلية الأراضي؛ الأمر الذي يعني القبول مسبقًا بالتنازل عن أراضٍ في القدس ومحيطها، والأراضي المقام عليها التجمعات الاستيطانية الكبيرة، وهي -أي المشروعات- تغفل عن عمد قضايا القدس واللاجئين والحدود والسيادة والمعابر والمصادر الطبيعية، وترهنها بنتائج المفاوضات المباشرة، وتتجاهل بخبث استمرار التمدد الاستيطاني الذي ابتلع الأرض التي ستقوم عليها الدولة. ولا يبدو حقًا أن أوروبا تحديدًا، التي يعتبر مشروع حل الدولتين مشروعها وطفلها الذي ترعاه منذ أكثر من عقدين، تهتم حقًا بمصير مشروعها، فعلى الرغم من أن القانون الدولي يرى في الاحتلال والاستيطان جريمة حرب وانتهاك للقانون الدولي؛ فلم تفعل أوروبا شيئًا لوقف الاستيطان وحث اسرائيل على الاعتراف بالحقوق الفلسطينية سوى إصدار بيانات التنديد ووصف الاستيطان بغير الشرعي، واستمرار استقبال أسواقها لمنتجات المستوطنات، واستمرار تمتع إسرائيل بميزات اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي الذي وقعته سنة 95. لقد فهم قادة إسرائيل شروط وأدوات لعبة مسيرة التسوية المقبولة على ما يسمى بالشرعية الدولية، وهي ليست سوى خطاب سياسي حمائمي بدون رصيد، يفتح لهم العواصم الغربية وبعض العربية، ويمنح عملية السلام طاقة البقاء، وتمنحهم هي بدورها غطاءً لتعزيز موقفهم وموقعهم، فهم نتنياهو مفعول سحر خطاب الدولتين بعد أن رأى بأم عينه كيف حول هذا السحر شارون من مجرم حرم منبوذ في العواصم الغربية إلى بطل شجاع يصنع السلام وتفتح له عواصم الغرب على الرغم من اجتياحه للضفة وشروعه ببناء جدار الضم وحصاره عرفات. نتنياهو، الذي اضطر في خطابة في «بار ايلان» سنة 2009 أن يعترف أن أي تسوية ستتم على أساس حل الدولتين؛ قد استطاع عبر استعانته بخدمات «الحمائم» بيرس وباراك أن يستكمل مسيرة الخداع والمناورة، وفي نفس الوقت حث وتشجيع المشروع الاستيطاني والقضاء على ممكنات إقامة الدولة الفلسطينية. بيد أن القدرة على الاستمرار في لعبة خداع الفلسطينيين، لسوء حظ نتنياهو، قد وصلت في دورته إلى استنفاد كل أوراقها بفعل استنفاد الفلسطينيين لقدرتهم على الانخداع، وحالة اليأس والاحباط من مسيرة التسوية ومشاعر الغضب والحراك والتململ الداخلي؛ كل ذلك أوصل مسيرة التسوية إلى أزمة حقيقية، وإلى مواجهة مصيرها الذي كان محتومًا مسبقًا بالفشل. التسوية التي قامت على مشروع حل الدولتين، والتي تجاهلت توفير عوامل إنجاح حل الدولتين؛ وصلت منذ وقت بعيد إلى طريق مسدود وإلى فشل ذريع، ليس فقط بفعل المماطلة والتعنت السياسي الاسرائيلي والتواطؤ السياسي الدولي أو بسبب هبوط السقف السياسي الفلسطيني؛ بل وقبل كل شيء بسبب انتفاء عوامل نجاح حل الدولتين بالطرق السلمية بفعل التوسع الاستيطاني والخطاب السياسي الإسرائيلي. التوسع الاستيطاني يرتبط الاستيطان الاسرائيلي في الضفة والقدس باعتبارات أمنية وأيديولوجية ودينية، فالقدس هي بالنسبة لهم قلب صهيون، وفيها ما يزعمون أنه «جبل الهيكل» والحوض المقدس، وأما الضفة فهي أراضي مملكتي «يهودا والسامرة»، والخليل مدينة إبراهيم وأرض الآباء والأجداد، وكل أراضي الضفة هي جزء من أراضي الوعد الإلهي، وعلى حد زعم نتنياهو في خطابه في الأممالمتحدة (سبتمبر 2012) فإن قبول اسرائيل بالوجود الفلسطيني على «الأرض اليهودية في الضفة» يعتبر تنازلًا وسخاءً يهوديًا واعترافًا بقوة الأمر الواقع، كما أن الصهيونية السياسية تعتبر أراضي الضفة جزءًا من أرض إسرائيل وجزءًا من وعد بلفور، وأن أي مساومات سياسية تنازلية عن بعضها تأتي بفعل الوجود الفلسطيني والرغبة بالمحافظة على يهودية الدولة، وهي لا زالت تتمسك بسياسة التوسع تحت شعار «المزيد من الأرض والقليل من السكان الفلسطينيين»، وثمة الاستيطان الأمني بهدف تأمين حدود الدولة وقدراتها الدفاعية، ويعتبر رائد هذا التوجه الجنرال العسكري يغئال الون الذي سارع بوضع وإعلان خطته الأمنية الاستيطانية لأراضي الضفة غداة احتلال سنة 67. المزيد من الصور :