معارض الكتاب تُعد بمثابة أعراس ثقافية، تتنوع مضامينها وتختلف مقاصدها، غير أن معرض الرياض الدولي للكتاب الذي يُقام في شهر مارس من كل عام يكاد يكون متفرِّدًا على مستوى الوطن العربي، وذلك في كمِّ معروضاته، وفي حجم مبيعاته التي تصل إلى عشرات الملايين، وفي كثافة زواره الذين يلامسون حاجز المليوني زائر. معرض هذا العام (2015) جاء تحت عنوان (الكتاب.. تعايش) وهو عنوان يرسخ لمفهومٍ مفاده أن الكتاب هو الأداة الفاعلة لنشر السلام والمحبة والحوار الهادف المثمر، وأنه الوسيلة المُثلى لمد جسور التعايش بين الشعوب، والوعاء الحاضن لأفكار وتجارب المبدعين، الساعي للارتقاء بالوعي الإنساني. هذا المعرض جاء على حين فترة من (القحط الثقافي) الذي شهدته الساحة الثقافية قبل عَقد من الزمان، حتى أصبح الحديث -وقتها- عن الكتاب وخاصة (الثقافي، الفكري، الأدبي) يشوبه كثير من الريبة، فجاء معرض الرياض ليزرع فسائل الأمل الثقافية، ويشبع النهم القرائي والمعرفي، ويعيد للكتاب قَدْرَه، ويحفظ له مكانته. معرض الرياض للكتاب يُعد بحق عرسًا ثقافيًّا موسميًّا يتداعى عليه المثقفون وأرباب الفكر والأدب من كل مكان؛ وهو بهذا يؤكد على أن المتعاطِين للثقافة كُثرٌ مهما هوَّن الآخرون من حجمهم، ويؤكد كذلك على أن الكتاب (الورقي) لا يزال يحتفظ بمكانته مقابل الكتاب (الإلكتروني). كم هو مبهج أن ترى حشود المثقفِين تتدافع عبر بوابات المعرض وممراته! وكم يشعر المرء بالزهو وهو يرى تلك الحشود تستجيب لإغراءاتها فتعمد للشراء رغبة في إثراء وجعها القرائي. قد يأتي من يشكك في أهداف المتسوقِين، أو يقلل في جديتهم في القراءة بعد عملية الشراء، أو يقلل من الانعكاسات الإيجابية على سلوكهم بعد عملية القراءة، ومهما يكن فهي (تتصاغر) أمام كثافة الإقبال على الشراء والتفاعل مع هذه التظاهرة الثقافية الكبرى التي يظهر فيها الكتاب عريسًا يختال في لبوس الثقافة والفكر البهيين. هنا أكرر ما ذكرته عن معرض (2011) في مقالي «معرض الكتاب.. صور صحفية مقلوبة» حينما طالبت ب»تخفيض عدد الفعاليات المصاحبة للمعرض»؛ حتى لا يقع المتسوقون بين أمرين أحلاهما (عسل)، ولا أظن وزارة الثقافة والإعلام والقائمين بأمر المعرِض -مشكورين- إلا يدركون مثل هذا الأمر. وتتواصل الأعراس الثقافية في أماكن متعددة من وطننا؛ كونها تمثل للمثقفِين بيئة ثقافية فاتنة وحقلاً معرفيًّا خصيبًا. وعليه، فمثقفو (محافظة العُرضيَّات) على موعد هذا المساء بقاعة الوسام مع الناقد المؤرخ الثقافي الأستاذ (حسين بافقيه) وهو يجيب على تساؤلهم القلق: «الثقافة.. ضرورة؟ أم ترف؟» في أمسية اللجنة الثقافية بالعُرضيات التابعة لأدبي جدة. [email protected]