مع حالة الإغراق التي تعيش في فضائيات الإعلام العربي وما تنتجه من دراما يتجاوز بعضها خطوط القيم والأخلاق الإسلامية، ينادي بعض المهتمين والمتخصصين بإنشاء ودعم ما يسمى "الدراما الآمنة" أو "الهادفة"، فلماذا تستورد كثير من الأفلام التي لا تتوافق مع قيم وأخلاق المجتمع في الوقت الذي لا يتم فيه دعم وإنتاج أفلام ومسلسلات تحافظ على الحد الأدنى من الأخلاق الإسلامية والقيم الاجتماعية المحافظة؟ وعلى من يقع تحمل هذه المسؤولية؟ وما دور وزارات الإعلام في ذلك؟ (الرسالة) ناقشت هذه القضية في ثنايا التحقيق التالي: بداية قال الكاتب الصحفي عبدالله الكعيد إنه لا وجود لما يسمى "الدراما لآمنة" أو الهادفة، واصفًا إياها بالطوباوية الغريبة. وأضاف إن الدراما هي في الأساس تنقل واقع محسوس وملموس، لذلك يجب علينا أن ننقل واقعنا كما هو بشجاعة وعلى كافة المستويات، وأن ننقله من العالم السفلي إلى ما فوق الأرض. وأوضح الكعيد أن علينا أن لا نخشى من نقل الواقع كما أن علينا في الوقت ذاته أن لا نبالغ في جلد ذواتنا. وقال الكعيد إن علينا أن نفكر في ما يسمى (الفن للفن) الذي أصبح مفقودًا في الوقت الحالي، لأنه ليس هناك الآن فن حقيقي. وكشف الكعيد أن الدراما السعودية في تراجع مخيف والسبب في ذلك من وصفهم ب"الهواة"، والذين ليس لديهم الوعي الكافي بحقيقة ما يعملون. وأفاد الكعيد أن الدراما لا يفترض فيها أن تقدم معالجة للمشكلات الاجتماعية لأنها ليست منبر وعظ أو أفلاما وثائقية، وإنما هي فن ومن حقها أن تمارس التضخيم في جانب معين لأنها تمارس طبيعتها الفنية الذي يمكن أن يصل إلى حالة من الفنتازيا -الطرح غير المعقول-، وبرر الكعيد إغراق الدراما في بعض المشكلات الاجتماعية بسبب ما تمر به بيئتنا من إغراق في المشكلات الحقيقية، ويرى الكعيد أن تناول القضايا الاجتماعية في الدراما أحيانًا أقل مما يجب، مشيرًا إلى أن الطرح الساذج هو السبب وراء النظرة المتشائمة للدراما السعودية. جوائز سنوية أما أستاذ الإعلام والاتصال بجامعة طيبة الدكتور خالد أبو الخير فقد قال إنه لا ينبغي الخلط بين ما يسمى "الإعلام الإسلامي" وغير الإسلامي وبين "الإعلام الهادف" وغيره من الإعلام التجاري. مبينًا أن تنمية الإعلام الهادف هو الأساس، منتقدًا استيراد كثير من الأفلام الغربية غير الهادفة رغم أن هناك أفلامًا أمريكية كثيرة تعرض في المهرجانات -على سبيل المثال- مصنفة من الأفلام العائلية التي يمكن أن يشاهدها أفراد العائلة كلهم بما فيهم الأطفال وتغرس قيما ومفاهيم إيجابية، وأشار أبو الخير إلى أن مثل تلك الأفلام تحظى بدعم حكومي وأهلي واسع، كاشفًا أن دعم الأفلام الهادفة -غير التجارية- في أمريكا يتم عن طريقين إما عن طريق الكنيسة وأوقافها والتي تحرص فيها على دعم القيم والأخلاق المسيحية وما يتعلق بالكنيسة، والطريق الثاني هو الدعم عن طريق من أسماهم "جمعيات المحافظين" والتي تدعم جميع الأفلام التي تهدف إلى الحفاظ على الموروثات سواءً كانت أخلاقية أو اجتماعية عن طريق دعم أصحاب الأموال والأعضاء في تلك الجمعيات. وأكد أبو الخير أن الإعلام في العالم العربي لم يعد تجاريًا وإنما إعلام حكومي سواءً بطريقة مباشرة أو غير مباشرة ولم ينجح التجاري منها إلا في الفيديو كليب أو نمط المسابقات المستوردة من الخارج والتي يدفع الجمهور فيها تكلفة الاتصالات والمشاركات، أما ما عدا ذلك فالقنوات والبرامج غير مربحة وإنما مدعومة. وما دام الأمر كذلك باعتماد كثير من القنوات والبرامج على الدعم خاصة من قبل وزارات الإعلام فإن وزارات الإعلام مكلفة دستوريًا بالحفاظ على الموروث الثقافي والأخلاقي للوطن وبالتالي يمكنها أن تدعم أو توجه البرامج والقنوات لإنتاج المسلسلات والأفلام الهادفة. وأشار أبو الخير إلى أهمية دعم الكفاءات والمهارات الشبابية التي ظهرت في وسائل التواصل الحديثة خاصة عبر برامج اليوتيوب المختلفة، مبينًا أن دعمهم يكون بعمل المسابقات والجوائز السنوية التي تدعم الأعمال المتميزة منها خاصة وأن برامجهم تطرح كثيرًا من القضايا التي لا يستطيع الإعلام الرسمي أن يطرحها بطريقة هادفة وذكية وجذابة، مشيرًا إلى أن مثل هذه البرامج الشبابية هي من أوصلت المملكة إلى ثالث أعلى دولة في العالم في استخدام اليوتيوب. وأكد أبو الخير على أهمية دعم مؤسسات المجتمع المدني الكبيرة لمثل هذه المشروعات الشبابية والإنتاج الهادف سواءً بالجوائز المالية أو إقامة المهرجانات السنوية. وأشار أبو الخير إلى أننا نعاني في الساحة المحلية من ندرة كتاب النصوص، لذلك جاءت أفلام اليوتيوب الشبابية وكسرت قاعدة وجود نص. مؤكدًا أهمية دعم الدولة متمثلة في وزارة الإعلام لصناعة إعلام هادف بالإضافة إلى مسوؤلية أصحاب الأموال ومؤسسات المجتمع المدني.