في شهر شوال عام 1427 ه كتبت مقالة بعنوان « رغم الأسى لابد أن نفرح « وكانت الظروف يومها تشبه كثيراً ما يعيشه الأيام هذه من جراح وآلام إخواننا أهل غزة وغيرها من مناطق فلسطين الغالية ، ولعل تكرار الأحداث بالوتيرة نفسها يدفعنا دفعا نحو تيار المشاعر والأحاسيس نفسها ، فالقضية واحدة لم تتغير ولم تتبدل ، بل يبدو أن المجرمين السفاحين لم يغيروا فلسفتهم ورؤاهم ، فاللص لن يتغير من أعماقه ولا طريقة تفكيره حتى ولو حاول تغيير جلده ، فهو لص مستبيح للدماء منتهك للمقدسات ، يضرب بكل قوانين السماء والأرض عرض الحائط ، فلا أحد سواه يستحق مسمى «الإنسان « وللأسف فإن من يدعمونه بالمال والعتاد والتشجيع ينحون مثله تفكيرا وخططاً ، ولو لم يجد منهم سكتات رضا بما يمارسه من إرهاب « دولة « وتدمير للإنسان ومقومات الحياة فلن يتمكن من البقاء لحظة واحدة .. وهذه الصورة هي نفسها التي عايشناها كعرب منذ أكثر من ستين عاما وحتى اللحظة فإن ردة الفعل من قبلنا ستكون هي نفسها التي تعودنا عليها « نشجب « نستنكر» « نطالب» وأخيرا نسكت ولا نتحرك بطريقة تتناسب وحجم الإجرام الذي يمارسه هذا المجرم السفاح ! قلت في مقالتي السابقة «رغم كل الدموع ورغم كل النحيب لابد أن نفرح ، لابد أن تفتر الثغور مبتسمة ضاحكة ، رغم كل الآهات والتنهدات لابد أن نقهقه ، فقطار الحياة لن يقف عندنا منتظرا حتى يغيب الحزن ويغرب ليل الألم ، وإذا لم نفعل فمن سينظر إلينا أو سيهتم بنا ، إن لم تكن إرادتنا هي التي تصنع الفرح وبعرق جباهنا نزرع الأمل ، وإذا لم يسعفنا ربنا بغيث رحمته فمن سيقف يطرق أبوابنا ليقدم لنا باقات الحياة ونسمات الحب والفرحة...؟؟ وأضفت « صحيح أن الجروح أكبر من كل تصور ، صحيح أن سيل الظلم والطغيان بلغ الزبى ، وجاوز الظالمون المدى ، لكن لن يقف التاريخ حتى نفرغ من همومنا وآلامنا ونصحح جراحاتنا ، وليس غريباً على أمتنا إن عاشت اليوم مصائب كبرى أو عاث في أرضها الغربان والذئاب ، لقد مر في مسيرة تاريخها كثير من الصور التي نراها ونعيشها اليوم ، أيام الاستعمار الغربي في كل شبر من أوطان أمتنا ، بل قبل ذلك تذكروا ما فعل التتار وكيف دمروا حضارة الأمة في بغداد وغيرها ، وكيف فعل الصليبيون في حروبهم ، لا بل كيف فعلت بعض فئات تزعم الإسلام ببني جلدتها ، فالجروح كثر والآلام لا تعد ولن تنتهي ، ولكن يبقى الأمل هو الحبل الذي يمتد إلينا من رب الكون ليعيد البسمة دوماً إلى قلوبنا ، ولتنطلق مسيرة التاريخ مثخنة بالجراح مفعمة بالحب « . وختمت مقالتي السابقة بهذه الأسطر « لقد مرت برسول الله صلى الله عليه وسلم كثير من المواقف التي لم تترك له فرصة ليستريح من هموم الأمانة الكبرى التي حمله الله سبحانه وتعالى ، فكان عليه الصلاة والسلام دائم التفكر دائم الهم ، وكان قليلا ما يضحك ونادرا ما يفرح ، لأن ما كان يشغله ليس هم الدنيا بقدر ما كانت الآخرة تعمر قلبه ، فقد علم منها ما يكفيه عن التعلق بالدنيا وزخرفها ، وكان أكثر ما يشغله هو إخراج الناس من ظلمات الضلال والكفر إلى نور الإسلام ورحمة الله ، ورغم كل ما وجده من قومه وأقرب الناس إليه من جحود ونكران وتكذيب ، لكنه كان يردد : اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون ، وكان يصبر ويحتسب فالآخرة خير له من الأولى ، ورغم كل الآلام كان يدع مجالاً لشيء من الفرحة تدخل قلوب من حوله فإن في الإسلام فسحة ، ولابد من إراحة القلوب حتى لا تمل ، فالحياة ساعة فساعة ..!» [email protected]