لعهد قريب كانت المساهمات الأهلية في المشهد الثقافي والفكري والأدبي تكاد تكون مقصورة على إنشاء المنتديات والصالونات الأدبية الخاصة، لتخرج هذه المساهمات مؤخرًا إلى فضاء جديد يتمثل في إنشاء المراكز الثقافية الأهلية بأهداف عديدة، وطموحات واسعة. وقد عرفت مدينة جدة حديثًا مركزين أثبتا حضورهما في المشهد على قصر عمرهما، هما «مركز عبدالمحسن بن فراج القحطاني للدراسات والاستشارات الثقافية»، و»مركز أحمد باديب للدراسات والاستشارات الإعلامية». فعن مركزه يقول الدكتور القحطاني: قبل سنة وسبعة أشهر صدرت موافقة وزارة الثقافة والإعلام على إنشاء هذا المركز وكنت فرحًا بذلك لكي تنضوي تحته «الأسبوعية»، ولكي يتاح له أن يقوم بدراسات تهم المشهد الثقافي في عالمنا العربي، وأن يستقبل دراسات من المفكرين والأدباء لمن يرغب أن يطبعها تحت مظلته، وأن يقوم بدراسة جدوى لمشروعات ثقافية تطلبها منه مؤسسات ثقافية، وأعتقد أن وجود مثل هذه المراكز سيصنع حراكًا ونموًا وحرصًا على أن تكون الثقافة مشعة في كل أرجاء الوطن. فيما يقول باديب عن مركزه: إيمانا بأهمية الثقافة ودورها في تنمية المجتمع وتطوير قدراته على اعتبار ما تمثله الثقافة من قيم أخلاقية، وما تعكسه من سلوك حضاري يحكم الفرد ويضبط إطار وعيه وحركته. وانطلاقا مما عايشته في أروقة جدة وأحيائها التاريخية من روح ثقافية عالية، ترسخ في وجداني، وحرك كثيرًا من مشاعري إزاء أي عمل جميل، وكان دافعا لي لأن أخوض تجربة العمل الثقافي ولو في جانب منه. وإيمانا بأهمية توثيق العمل الثقافي في صورته المؤسسية كان الحماس لتأسيس هذا المركز بمشاركة معنوية من نخبة من أهل الفكر والثقافة، بهدف دعم الحراك الثقافي والفني والمعرفي بشكل أفضل ووفق خطة منهجية مدروسة. وبالتالي فالمركز لديه أهدافه الكثيرة وطموحاته العالية التي أرجو أن يتحقق كثير منها على أرض الواقع تباعًا. ويرى الدكتور زيد الفضيل أننا اليوم بحاجة إلى تأسيس العديد من المراكز الثقافية الأهلية التي يقوم على عاتقها ردف الحراك الثقافي الحكومي وتعزيز بنيته الأساسية. مؤكدًا أن الحراك الثقافي لن تستشري مظاهره بشكل عملي في أروقة المجتمع ومفاصله المختلفة، إلا حينما تتعاضد المؤسسات الحكومية بالمؤسسات الثقافية الأهلية مع توفر الرؤية الواضحة للعمل الثقافي، ووجود الإمكانات المادية ولو في حدها المقبول. مضيفًا بقوله: من هذا المنطلق فإن بلوغ أي نهضة ثقافية يستلزم أن يتوفر في ثنايا مجتمعها حد أدنى من الدافعية الذاتية على الصعيد المؤسسي الأهلي، ولهذا كان العمل على تأسيس مركز أحمد باديب للدراسات والاستشارات الاعلامية الذي نرجو أن يكون له دور فاعل في تعزيز الحضور الثقافي في ثنايا وجدان مجتمعنا، من خلال تقديم مختلف العروض الفنية كالمسرح والفنون الفلكلورية المتنوعة، علاوة على مقتضيات الفكر والأدب.