جدة – عبدالعزيز الخزام على المثقف ألاَّ يستكين ولا يتمنى الموت إلا واقفاً منتجاً «الأسبوعية» مرحلة مؤقتة.. وقضيتي أكبر من مجرد محاضرات لو عرفت أن «الأسبوعية» ستنافس أدبي جدة لوأدتها كرَّس الدكتور عبدالمحسن القحطاني حياته الثقافية لمؤسسته، – وهي «قضيته»-، السنوات الست التي مضت من عمره، دون أن تحرك وزارة الثقافة والإعلام ساكناً تجاه طلبه بإنشائها، وهي الهادفة إلى دعم الحراك الثقافي المحلي. فهل ذلك لأن وراء طلبه رغبة ملحة منه للانتقام من نادي جدة الأدبي، ومحاولة لسحب البساط من النادي بعد خروجه الشهير من مجلس إدارته؟ والدكتور القحطاني يمثل لدى كثيرين مثقفاً منتجاً ينتمي إلى قضيته، وهو ينتج اليوم «مركز الدراسات والاستشارات الثقافية»، الذي سيتم إنشاؤه قريباً في جدة، بعدما حصل على السجل التجاري الخاص بهذا المركز، وهو مكسب نوعي كبير سيفتح الباب أمام مبادرات نوعية أخرى. «الشرق» التقت القحطاني، الذي يرى في نفسه بانياً للجسور بين الثقافة والمجتمع، ليتحدث حول مؤسسته الثقافية، التي استحالت إلى مركز ثقافي حتى الآن على الأقل، وحول ما جرى بينه وبين أبنائه قبيل تقديم الطلب الرسمي، بالإضافة إلى محاور أخرى في القضية نفسها: * أنشأت مؤخراً «أسبوعية عبدالمحسن القحطاني الثقافية»، التي اعتبرها كثيرون إضافة نوعية إلى رصيد جدة الثقافي. ما أهداف الأسبوعية؟ - قضيتي هي الثقافة، وما يشغلني في حياتي هو تأسيس الثقافة. وقبل ست سنوات تقدمت بطلب إنشاء «الأسبوعية» إلى وزارة الثقافة والإعلام، بعد أن اتفقت مع أبنائي على إنشاء مؤسسة ثقافية تنهض بما أعتبره جزءاً بسيطاً، ومساهمة قليلة، في المنظومة الثقافية لهذا البلد المعطاء، لكن وزارة الثقافة والإعلام أرادت أن تضع لوائح تنظم مسيرة هذه المؤسسات والمراكز، وهو أمر لم يتم بعد في ما أعتقد. مع ذلك، قلت لماذا لا أنشئ منتدى أدبياً مثل المنتديات في المملكة، ريثما أحصل على ترخيص إنشائها، فأنا مهموم بالثقافة، ولا أجد نفسي إلا فيها، من الهم الثقافي في التعليم، إلى التأليف، والمشاركات في المحاضرات؛ فهذا هو هاجسي وقضيتي. لدي وقت فائض، وحرام على المثقف أن يستكين، بل عليه ألا يتمنى أن يموت إلا واقفاً منتجاً. الأسبوعية أنشأت هذه «الأسبوعية» وأسميتها «أسبوعية عبدالمحسن القحطاني»، التي لاتزال طفلاً يحبو، لكنها صدرت من إنسان مهموم بالثقافة، وأكاديمي له خبرة في هذا المجال، ولم يجد صعوبة أبداً في هذه الأسبوعية. وهذه الأسبوعية لا يشتغل فيها إلا اثنان، أنا وسكرتيري فقط، ومع ذلك فإن كل الأمور في ما أرى منظمة، وتبقى منظمة لأن أهم شيء أن تكون النية خالصة، وليس لها قصد إلا العلم، وتأسيس المعرفة، والإسهام في الثقافة، لأن بلدنا هي سيدة اللغة، وهي المرتكز الحقيقي للثقافة العربية. وأعتقد أنه لا يوجد مثقف، أو أديب، أو مفكر، إلا وتتلمذ على إنجاز هذا المكان، ولا أنسى مقولة طه حسين في المملكة عندما قابل الملك فهد، رحمه الله، وكان وقتها وزيراً للمعارف، إذ قال: إن بعض الفرنسيين يقولون في بعض أوقات فراغهم إن لكل فرنسي وطنين، وطن نشأ فيه وترعرع، ووطن هو فرنسا، وكان قولهم هذا فيه شيء من السرف، وضرب من التبذير. أما أنا فأقول الحق: لكل عربي وطنان، وطن ولد فيه، ووطن علّم ذائقتنا وهذب سلوكنا وجعلنا ننتصر على أنفسنا، إنه هذا الوطن، ولا أنسى تلك الأَمَة التي بكت، ليس لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – قد انتقل إلى الرفيق الأعلى، بل لأن خبر السماء قد انقطع عن هذه الأرض. إذاً، هذه البلاد عليها مسؤولية كبيرة، وعلى أبنائها أن لا يقفوا ويرضوا بالمنجز، بل يتبعون الإنجاز إنجازاً آخر، وهذه من الأسباب التي جعلتني أنشئ هذه الأسبوعية، التي أرجو أن تستمر، وأن تتحول إلى مؤسسة ثقافية يرثها جيل بعد جيل. وفي محاضرة في نادي الرياض الأدبي ألقيتها مؤخراً، وكان معي ابني الدكتور فيصل، قلت: ها هو أمامكم، وسيكون إن شاء الله مسؤولاً عن الأسبوعية، وعن المركز الثقافي، فحاكموه لأنه هو وإخوته من قال لي: انهض ونحن معك. وميزة هذه الأسبوعية أيضاً أنها تحرضني على إلقاء المحاضرات ما بين النادي والجامعة، فهي تحثني فعلاً على ألا أتكئ على الأسبوعية فقط، بل أظل محاضراً في كثير من المؤسسات الثقافية المدنية، سواء كانت حكومية، أو أهلية. «سجل تجاري» * وماذا تم بخصوص الطلب الرسمي بإنشاء المؤسسة الثقافية، وهل من رد؟ - لا، لكنني اتخذت طريقاً آخر، وهو إنشاء «مركز للدراسات والاستشارات الثقافية». وأبشرك أن الموافقة صدرت، وأخذت السجل التجاري بالموافقة على إنشاء «مركز عبدالمحسن فراج القحطاني للدراسات والاستشارات الثقافية». وأشكر وزارة الثقافة على إعطائي فرصة إنشاء المركز. مؤسستان وجائزة * وهل ألغى إنشاء هذا المركز طلبك بإنشاء المؤسسة الثقافية؟ - لا، لم يلغه. لكن، كل ما أريده سيكون تحت هذه المظلة، من استشارات، ودراسات ثقافية. * وماذا عن الجائزة التي تحمل اسمك، التي نعرف أن مقرها في مصر؟ - نرجو أن تكون الجائزة تحت هذه المظلة أيضاً، وكما تعرف وضعت لها عنوانين، عنوانا في مصر، وعنوانا في السعودية، وإن شاء الله تتحول إلى هنا. إضافة وليست بديلاً * ما دمنا نتحدث عن المؤسسات الثقافية الخاصة، فإن الأزمات التي تعاني منها المؤسسات التقليدية جعلت كثيراً من المثقفين يبحثون عن فضاء آخر غير المؤسسات الثقافية الرسمية. - اسمح لي. هذه المقولة لا أرغب أن تتردد بيننا، فأنا أرغب في إضافة حقل ثقافي جديد، ولست بديلاً من أي هيئة، أو مؤسسة، فالمنتديات الأدبية لن تكون في يوم من الأيام بديلاً من الأندية الأدبية، بل هي رافدة ومضيفة للأندية، والأندية إذا راقبت حراكاً ثقافياً من مؤسسة مدنية، أو فردية، سيحرضها ذلك على ألا تتثاءب، وسيجعلها تقدم طروحات جديدة، والمساحة تتسع للجميع. ولا يضر مدينة جدة، مثلاً، وجود أكثر من مركز ثقافي ومؤسسة ثقافية، فسكانها اليوم أكثر من أربعة ملايين نسمة، وكذلك الرياض، ومكة، وجميع مدن المملكة. هذه الإطلالات على الثقافة ستكون في ما بعد منظومة متكاملة، وستجد في النادي شيئاً، وستجد في إثنينية خوجة تكريماً، وستجد في أحدية أنور عشقي نقاشاً، وستجد في أسبوعية القحطاني حديثاً وحواراً، وستجد في ديوانية جدة شيئاً آخر، وهذا الفضاء يعني أن المثقف لديه خيارات عديدة أين يذهب هذا المساء. وكما تعرف، حينما توقفت الإثنينية، احتاج مثقفو جدة إليها أيما احتياج، لأنهم تعودوا على هذا المنبر الثقافي، وحينما عادت، كأنما الروح عادت إلى النفوس. لذا لا أظن أن المنتديات الخاصة، أو المؤسسات المدنية – إن تحولت إلى مؤسسات – ستكون بديلاً من الأندية، والأندية قامة كبيرة لها عمر، ولديها منجز، والدولة ترعاها رعاية كبيرة وتدعمها، سواء كان الدعم لمرة واحدة، أو مستمراً. مع ذلك، من يستطيع أن يفتتح مجلساً للحوار، أو منتدى، فليفعل. و»الأسبوعية» قدمت حتى الآن أكثر من خمسة عشر محاضراً، وأنا سعيد بها، وبالوجوه الجديدة، وبالاختلاف، وهذه الوجوه المتغيرة دليل على الحراك الثقافي. ومنذ بدأت الأسبوعية والحضور لا يقل عن سبعين شخصاً كل مرة، ويصل العدد في بعض الحالات إلى خمسة وتسعين، أو مائة، وهذا حضور جيد يستحقه من يتعب في الأسبوعية، ومن يطورها. تكامل لا تنافس * بماذا ترد على من قالوا إن القحطاني يريد إنشاء مؤسسته الثقافية، و»أسبوعيته»، لينافس النادي الأدبي في جدة؟ - استحالة! ولو عرفت أنها ستنافس النادي لقضيت عليها، ولوأدتها فوراً، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن «أسبوعية» فرد مجتهد تنافس مؤسسة كبرى لها رجالها ولها قاماتها. لست في وارد المنافسة. أريد فقط مساحة أتحرك فيها، كغيري من أصحاب المنتديات. * كيف تصف علاقتك الآن بالنادي الأدبي؟ - علاقة طيبة. عشت في النادي أكثر من ربع قرن، والنادي نادي الجميع، وأنا عضو في الجمعية العمومية. ولا يمنعني من الحضور إليه إلا المشاغل أحياناً. الجامعة والمجتمع * كواحد من أساتذة الحرم الجامعي، كيف ترد على اتهامات انسحاب الحرم الجامعي من المجتمع؟ - أعتقد أن كل شخص مهموم بما لديه، وللمثقفين عذرهم. وأذكر أن نادي جدة حين قام كان اسمه «يخوّف»، فانكفأ كثير من أعضاء هيئة التدريس في الجامعة عن الحضور إليه، واستمرت هذه العادة مع الأسف الشديد، فعضو هيئة التدريس إذا ما خرج أثر وتأثر، فوظيفة التعليم ليست حبيسة أروقة الجامعة. أما عن وضع الأسبوعية الآن فهو مختلف، حيث جاءنا عدد من أساتذة الجامعات ممن لم ينكفئوا على أنفسهم، وممن يؤمنون بأهمية أن تطل الجامعة على المجتمع. وأعتقد أن الجامعة الآن ملتئمة مع المجتمع على صعد عدة، فالطلاب، حتى الأطفال منهم، يستطيعون أن يأخذوا المعلومة من أي مكان، ومهمة الأستاذ، هنا، التحاور مع الطالب في توظيف المعلومة، وليس في إيجادها. القحطاني في إحدى الأمسيات الأخيرة في أسبوعيته الثقافية (الشرق)