أحيانًا لا أفهم بعض التصريحات الرسمية التي تُلقى في منابر الندوات، واللقاءات المفتوحة المخصص لإلقاء الضوء على مشكلة بعينها لوضع تصوّر للحدّ منها، أو القضاء عليها. وفي ندوة (واقع الفساد الإداري في المملكة وجهود التغلب عليه)، المنعقدة في 3 ديسمبر الجاري صرح رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بأن (الفساد ليس له تأثير واقعي واضح في المملكة، وأنه لم يؤثر في عملية التنمية والاقتصاد وإقامة المشروعات). حسناً يا معالي الرئيس! إذًا لماذا هذا الركض اليومي للهيئة الموقرة المنتهي بمراقبة مشروع في مركز إداري، أو قرية نائية، أو هجرة بعيدة؟ لماذا تجهدون أنفسكم إذا كانت المحصلة (كله تمام) ولا تأثير على اقتصاد، ولا على تنمية، ولا على صغيرة أو كبيرة. مثلا الجسر الذي انهار فجأة على طريق الرياض - الدمام يوم 19 ديسمبر لم ينتج عن فساد! وحتى لو كان السبب فسادًا، فهو لن يؤثر على التنمية ولا الاقتصاد ولا حركة المرور، ولن يحيل حياة مستخدميه إلى نكد دائم وانتظار طويل. والأهم من ذلك أن عشرات الملايين التي رُصدت له وذهبت هباء منثورًا غير مهمة، ففي الخزنة مثلها الكثير. والجسر المنهار إنما هو عينة لما يجري في مناطق كثيرة بالوطن، مدارس سيئة التنفيذ، ومثلها مستشفيات ومراكز صحية، وشوارع وطرق ومبانٍ وتجهيزات.. وغيرها! ثم المحصلة كله تمام! بالله أي تنمية نعني إذا أصبح غض الطرف (عن كل نقيصة في التنفيذ) سياسة معلنة؛ لأن لا آثار سلبية لها. هذا جانب! أمّا الآخر فحصر الفساد في المشروعات الأسمنتية أو المشتريات الحكومية؟ هل غفلتم يا معالي الرئيس عن الفساد الناجم عن سوء استغلال السلطة حيث يُفرض الرأي الواحد وإن كان خاطئًا، وحيث يُقرب المسؤول المحبب ولو كان فاشلاً، وحيث تُمنح الامتيازات لغير مستحقها ولو كان بليدًا تافهًا! قمة الفساد أن يتم الكيل بمكيالين، وأن يُختار الأسوأ من اثنين، وأن يُستبعد الصالح لأنه بغير لسانين. يا معالي الرئيس: تبسيط الأمور لا يخدم (أجندتكم) المهمة جدًّا، بل يزيدها صعوبة وتعقيدًا، ويباعد بينها وبين النجاح مسافات كبيرة لا أخالكم تحبونها. [email protected]