لماذا يتجرأ البعض على ممارسة الفساد إلى أبعد مدى ممكن، دون أن يرف له جفن، أو يرتعش له قلب؟ لماذا كثيرًا ما يطبّق الفاسدون شعار (إذا ضربت فأوجع) وجعًا موجعًا شديدًا؟! حقيقة لا بد من دراسة هذه الحالات، لا بصفتها عينات من الفساد، لكن لأنها نماذج من الفساد الفاحش، الذي له أوّل وليس له آخر. تمامًا كقصة ذلك المسؤول العربي الذي زار مسؤولاً في الغرب، فاستضافه في داره البسيطة الجميلة، فلمّا سأله كيف تملكها، أشار إلى طريق طويل عليه جسر، وسأله إن كان يراه، فأجاب نعم، فقال اقتطعت عمولة 10% لبناء هذه الدار. ولما رد (الخواجة) الزيارة، دُهش من القصر الذي يقطنه صاحبنا العربي الفطين، فلما سأله عن مصدر الثراء الباهر! قال له: هل ترى ذلك الجسر؟ لم يكن هناك سوى جسر على الورق، عندها أدرك الخواجة بيك أن العربي (الأمين) قد (لهط) كل ميزانية الجسر. حدوتة قديمة، لكنها تتكرر. ومعها تتكرر قصة نجاح أصحابها في (لهط) المتقدّم والمتأخّر، مع الاستمرار بالهمّة نفسها للهط (المزيد). وآخرون يُفضحون لسبب أو آخر. ربما يريد الله فضحهم في الدنيا كي يتوبوا ويرشدوا. وعلى ذمة (الوطن 10 نوفمبر) إذ أصدرت الدائرة الأولى في محكمة الاستئناف بمنطقة مكةالمكرمة حكمًا يقضي بشطب صك مزوّر على أرض مساحتها مليون متر مربع جنوبجدة، تبلغ قيمتها نحو مليار ونصف المليار ريال، وإحالة كافة أوراق الضالعين في التزوير إلى الجهات المختصة لمحاسبتهم، وهما كاتب عدل طلب التقاعد قبيل فترة وجيزة، وهامور عقارات بجدة. وفي قضية أخرى (الوطن 12 نوفمبر) تسلم كاتب عدل 10 ملايين ريال من رجل أعمال لقاء تزوير محررات رسمية في صك أرض بذهبان، مساحتها 4.6 ملايين متر مربع، وقيمتها 5 مليارات ريال. ادعس على الآخر يا فاسد، مع يقيني أنك من أوائل المتباكين على الوطنية، والمتحسرين على الفضيلة. أمّا المحزن -من وجهة نظري- فهي أن استكمال الإجراءات، وصدور الأحكام وتنفيذها ضد هؤلاء (الفاسدين) تظل حبيسة الكتمان؛ رفقًا باللص الغلبان! وأمّا الوطن فلا بواكي له. [email protected]