حتى رئيس الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان حريص على (الضرر) الكبير الذي سيصيب (ملايين) الأفراد الذين تربطهم علاقة بالمفسد الذي يتم التشهير به حال القبض عليه متلبسًا بالجريمة النكراء. أما المجتمع بأسره الذي لا يزيد عدد أفراده عن (عدد الأصابع)، فلا بواكي له. ذلكم هو التفسير الوحيد لما قاله رئيس جمعية حقوق الإنسان الدكتور/ مفلح القحطاني: (لا ينبغي التشهير بالمفسدين كون ضرره يشمل أسرته التي لا ذنب لها ويصل إلى من حوله، حتى ولو ثبتت عليه الإدانة فالستر أولى). ومع احترامي وتقديري للدكتور مفلح، إلاّ أني أحسب قلقه مما يدخل في عالم المثالية المفرطة، إذ نسي سعادته أن الضرر الذي يتسبب فيه المفسد يتجاوز عدد (أقرباء) المفسد أضعافًا مضاعفة، وربما شمل المجتمع كله. القضية يا سادة هي أن التستر على (المُفسد)، إنما يُشجِّع غيره على ارتكاب الجُرم ذاته، أي هي النار تأكل الهشيم، والهشيم هو أفراد المجتمع الذين لا حول لهم ولا قوة. خذوا مثلًا ذلك الذي يستغل نفوذه وسلطاته ليُمرِّر مصالحه الخاصة، ومنها على سبيل المثال تعيين أقرباء غير أكفاء دون إتاحة الفرصة لغيرهم من الأكفاء، لمجرد أنه صاحب نفوذ! كم من الضحايا هنا وقعوا تحت وطأة هذا المفسد؟ وكم من أمثاله سيُمارسون الفعل نفسه؟ وكم هو العدد الجمعي لهؤلاء الضحايا بالأمس واليوم وغدا؟! ولو كان الأمر كذلك لتوجَّب في الوقت نفسه عدم الإعلان عن الحدود التي تقيمها الدولة على المستحقين لها حدًا أو تعزيرًا أو قصاصًا! وفي مقالي يوم أمس أشرت إلى مطالبة هيئة التحقيق والادعاء العام بالتشهير بهؤلاء المفسدين لأنه أمرٌ جلل لم تُجدِ معه كل التلويحات والتهديدات! المجتمع كله على ظهر سفينة واحدة، وعليها مُفسدون يضرب الواحد منهم فيها خرقًا يزعم أنه لا يضر غيره، ويفعل غيره مثله حتى ينتشر الخرق، ويتسع على الراقع. المنادون بالمثالية يصيحون: تستّروا على هؤلاء. فأصحابنا قلقون على شعور الأقرباء، وهم قلة، وغير مبالين بالكثرة الباقية على السفينة. [email protected]