على بعد 150 كيلومترًا من جدة تتربع «رابغ» شامخة على حدبة تقابل ساحل البحر الأحمر.. متكئة على تاريخ تالد سجل بعضه الشاعر دريد بن الصمة في شطر بيته: «غديت برابغ ظلًا محيلًا». فرابغ تعد من المدن القديمة التي وجدت قبل الإسلام وقد قامت بعض سرايا وغزوات النبي صلّى الله عليه وسلّم فيها، إذ ورد أنه في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم أرسلت سرية بقيادة عبيدة بن عبدالمطلب رضي الله عنه في شوال على رأس ثمانية أشهر من الهجرة إلى وادي رابغ فلقي عبيدة أبا سفيان بن حرب على ماء يقال له أحياء من بطن رابغ، وفي السنة الثانية للهجرة توجه الرسول صلّى الله عليه وسلّم إلى غزو الأبواء وودان وهكذا توجهت أولى الغزوات إلى منطقة رابغ وكان الهدف منها تثبيت حدود الدولة الإسلامية الأولى لتتعاقب فترات تاريخية مفصلية على المنطقة مرورًا بعصر صدر الإسلام ممثلًا في عصر الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وأرضاهم وعهد الأمويين والعباسيين وفي العهد العثماني. وفي بحث أعدّه الدكتور محمد أحمد الرويثي ونشر بعنوان «رابغ المرفأ والمدينة» نشر في العدد الخامس في مجلة الثقافة والفنون، أشار في ثناياه عن رابغ بالقول: «ظهور رابغ كمستوطنة سكنية كانت سابقًا لظهور الإسلام وأن نشأتها ارتبطت اقتصاديًا بالواحة التي قامت على جانبي الوادي الذي يحمل اسمها وبالطريق التجاري القديم، حيث ظهرت النواة القديمة على مقربة من الوادي وعلى جانبي الطريق البري القديم، حيث كان المقوم الاقتصادي لهذه النشأة هو خدمة القوافل والاهتمام بزراعة النخيل كمصدر غذائي للسكان، وقد تمثلت هذه النواة القديمة في مجموعة من المنازل يتوسطها السوق والجامع وكانت قد اعتلت الأجزاء المرتفعة عن الوادي مبتعدة عن تدفق مياه السيول المفاجئة إضافة إلى مجموعة من الأكواخ المنتشرة في أنحاء الواحة، ويعتقد أنها لم تتجاوز منطقة طولها 400 متر وعرضها 250 مترًا، ومنذ أوائل القرن العشرين أصبحت إحدى محافظات التموين العسكرية والاقتصادية وخاصة إبان الحكم العثماني للحجاز الأمر الذي أدى إلى نموها واتساعها وأصبحت تتكون من 116 منزلًا و5 مساجد وسوق تضم 20 حانوتًا و10 صهاريج للمياه وقلعة مبنية من الحجر لها 7 أبواب وكان ذلك في عام 1908». ويضيف الرويثي: «يشار إلى أنه إلى الجانب الشرقي من الطريق توجد القلعة العثمانية أما في الجانب الغربي وعلى مقربة من الوادي فتوجد بقايا المدينة القديمة بمنازلها المبنية من الطين وسوقها القديم وهي الآن مهجورة وقد هدم حاليًا معظم أجزائها لتحل مكانها مبانٍ حديثة». اللافت ومن خلال البحث في المكتبة المركزية بجامعة الملك عبدالعزيز عن رابغ أننا لم نجد إلا مؤلفًا واحدًا فقط عن تاريخ رابغ وهو «المواقع التاريخية والأثرية والسياحية، حول مدينة الملك عبدالعزيز الاقتصادية برابغ» للباحث عبدالمحسن بن فلاح الحربي، والذي لفت في مقدمة مؤلفه أن رابغ عاصرت أعظم الأحداث التاريخية ومنها أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم سلك طرقها عندما هاجر من مكة إلى المدينة ومنها تزود بالطعام أثناء مروره بخيمة أم معبد والتي تقع في قديد المجاورة لها، مشيرًا إلى أنها حدثت فيها أول غزوات الرسول صلّى الله عليه وسلّم وسراياه، وكان فيما ألمح المؤلف إليه حول وادي قديد والذي أشار إلى أنه الوادي الذي وقعت فيه الريح بسليمان عليه السلام وكذلك ما أورده فيما رواه ابن عباس عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيما ورد ضمنًا في نص الحديث: «كأني أنظر إلى يونس على ناقة حمراء عليه جبّة صوف وخطام ناقته خلبة مارًا بهذا الوادي ملبيًا» ويعني عقبة هرشي والكائنة بين الجحفة والأبواء، في الوقت الذي أشارت فيه الكتابات في الواجهات الصخرية للأودية التي تتبع لرابغ إلى سكن الثموديين فيها، كما أوردت كتب التاريخ أن العماليق وقضاعة من القبائل التي سكنتها إلى ما أورده المؤلف من العديد من القبائل التي سكنتها ومنها قبائل لحيان وهذيل وبنو سليم ومزينة وخزاعة وكنانة وغيرهم، وكان مما أشار به المؤلف إلى أن قلعة رابغ بنيت في بدايات القرن العاشر الهجري. وزاد الأسلمي: «في عام 1325ه وصفها إبراهيم رفعت الباشا بقوله: إن بها أكثر من 100 جندي عثماني ومدافع وكثير من الذخائر والمهمات الحربية، وقبل كانت مركزًا للميرة والذخائر التي تحتاج إليها المحامل حين مرورها بها، مشيرًا إلى وصف قلعتها ذات السبعة أبواب وفي عام 1404ه تم وصف قلعة رابغ من قبل لجنة البحث المعلمي في كتاب إمارة رابغ ولقد اندثرت القلعة ولم يبق بها غير أحد أبراجها الأربعة وهو البرج الشمالي الشرقي. وقد أشار ذات المؤلف في كتاب آخر له بعنوان التراث والشعر في وادي حجر عما تمتاز به بعض المحافظات والتي تعد جزءًا لا يتجزأ من رابغ إلى العديد من الموروثات الشعبية القديمة ومنها الثوب الحربي «المحاريد» ذو الأكمام الطويلة الواسعة وهو مطرز ببعض الخيوط الملونة في بعض جوانبه وله رقبة تسمى الترقيبة والعقال والعصابة والعمامة والجنبية والحزام والمشعاب والقطلة، فيما تلبس النساء الثوب المقصّب والقناع والنسعة والبرقع المزيّن بالعملات المعدنية والفضة واللبة والقناع يغطي الثوب والجسم والخرصان الفضية والمخنقة والمعضد المشنقة والشميلة وهي سوارة من الفضة فيما يخص الطفل وهي الركوة مكان نوم الطفل المولود وتصنع من الجلد والشذرة لستر عورة الأطفال ومصنوعة من الجلد ومن أدوات الحرث « الشداد، والمحراث، والسبط، اللومة، النجر، قربة الماء، الرحاة، العكة، كرف إضافة إلى المقّمع والهندية والزير والجنبية والحسكل والمقطع والمكلى والهلال وبعض العملات التي تعود لبداية الحكم السعودي إضافة إلى بعض النقوش والتي تعود إلى 187ه ونقش كتب عليه «من آمن بالله أمن» إضافة إلى ما وثقه عما تتميز به مساكن رابغ ومحافظاتها والتي تتراوح بين الحصون والقلاع وبيوت الطين وبيوت الحجر وكذلك بيوت الشعر والوشيع وهو حائط من سعف وجريد النخل لعمل سور حول بيت الشعر أو المزرعة لحمايتها من المواشي والعشة والطلل وهو بناء بسيط من سعف النخل وجريدها مغطى الذي وسطه قرب الماء لتبريدها. كذلك أشار الدكتور أحمد بن ناصر النعماني في كتابه والذي أصدره في جزءين وعنونه ب»محافظة رابغ ماضٍ تليد وحاضر مجيد وجاء في ما يقارب ال 1000 صفحة وفيه أشار إلى العديد من الجوانب التي تتعلق برابغ، ومنها ما تناوله عن الآثار والآبار ودرب الحاج ووادي ودان والطريق السلطاني وكذلك الطرق الفرعية إضافة إلى ما ضمنّه المؤلف عن ربط المواقع التاريخية الموجودة برابغ بالشعر الجاهلي فضلًا عما ضمّنه عن تاريخ الأبواء وآثارها وكذلك حجر والقضيمة ومستورة والنويبع موثقًا كل المواقع بالصور والإحداثيات. من تاريخ رابغ يقال إن معنى كلمة رابغ: هي الريش الناعم. وورد في سيرة ابن هشام أن رابغ واحة خضراء، تصب فيها سيول الوديان المجاورة، ومن الأحداث التاريخية التي شهدتها رابغ مرور الرسول صلى الله عليه وسلم في طريق هجرته من مكةالمكرمة إلى المدينة، كما وقعت برابغ وبالقرب منها بعض الغزوات لمواجهة المشركين منها: غزوة ودان، وغزوة بني المصطلق التي خرج فيها الرسول صلى الله عليه وسلم للقاء بني المصطلق وسرية عبيدالله بن الحارث، وكانت بعد مرور ثمانية أشهر من الهجرة. أم المؤمنين السيدة جويرية بنت الحارث فمن أهل رابغ، كما عرف من أبناء رابغ عدد كبير من صحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم منهم خباب بن الأرت، ومعبد بن أبي معبد الخزاعي.