إنَّ المتابع لمواقع التواصل الاجتماعي، وما يطرحه الإعلام المسموع والمقروء والمرئي، يلحظ أنَّ هناك شكوى من الارتفاع المحموم لأسعار المواد الاستهلاكية الضرورية، مع غيبوبةِ عينِ الرقيب، وعدم وجود أنظمة صارمة تقف في وجه هذا الجشع التجاري، والارتفاع غير مبرر. وإنَّ من يسمع صوت المواطن المُهذَّب الذي يشرح معاناته، سيلمس حتمًا ذلك الأسلوب الحضاري الراقي، الذي لا يتعارض مع مطالباته بالتدخل القوي لمؤسسات الدولة لوقف هذا الجشع بصفتها جدار الحماية للمواطن. لقد أثبت المواطن السعودي بأنَّه مواطن ذكي يعرف الطريق القويم لمناقشة قضاياه، بعيدًا عن الفوضى وإثارة الفتن، وإن كانت هناك أصوات نشاز لا تفقه أدب الحوار، أو تجهل أسسه وفنونه، فإنَّه لا ينبغي تشويه صوت الحق. وفي ظل هذا الوعي الوطني تخرج علينا أصوات أخرى تصف من يعرض شكواه من ذوي الدخل المحدود بأنه ضد الوطنية، ويرون أنَّ الصواب هو عدم نشر شكوى المواطنين، وأنَّ الكُتَّاب الذين ينتقدون جشع بعض التجار، ويُندِّدون بالفساد في بعض المؤسسات، إنما يُحرِّضون على الفوضى، وكذلك أصحاب البرامج التوعوية التي تُصوِّر وتُجسِّد مظاهر هذا الفساد، أو تنقل صورة للمشاريع التنموية والحضارية من مختلف دول العالم، حتى تحذو مؤسساتنا حذو تلك الدول، إنَّما هم رؤوس فِتنة يعملون على إثارة المواطن. إن هذه الأصوات المهزومة هي من يناصر الفساد وتُرسِّخ دعائمه في المجتمع، إمَّا عن جهلٍ وحُسن نِيَّة بدعوى حب الوطن، أو عن قصدٍ وسوء نِيَّة، فهي تهدف إلى مُناصرة الفساد، ولا ترغب في زواله، لأنَّ في هذا الزوال تهديدًا لمصالحها، فيقظة المواطن ومطالباته بالقضاء على الفساد، وإظهار مكامنه ومواقعه، سينبّه مؤسسات الدولة التي تتصدَّى للفساد بكل أشكاله، وفي هذا تحجيم وتطويق لمخططاته التى تسعى تلك الأصوات لترسيخها، فمن مصلحة هذه الأصوات أن يظل المواطن غافلاً، غير مدُرك لما يحدث حوله، وأن يعيش مُغيب العقل ساذجًا، حتى تستمر هي في فسادها وتوسيع أطماعها وأكل خيرات الوطن. إنَّ مناقشة الكُتَّاب للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وإطلاع المسؤولين عليها يُعد تطبيقًا عمليًا لما يُنادي به خادم الحرمين الشريفين من ضرورة فتح منافذ الحوار الوطني، بل إنَّ طرح قضايا المواطن هو نوع من الشفافية المطلوبة التي تعكس روح الألفة بين الحاكم والمحكوم، وأنَّ المواطن بمقدوره أن يرفع معاناته للجهات المعنية، ولاشك أنَّ مثل هذه الأمور تُدرس بعناية، ولها مردودها الحسن على الجميع إن شاء الله. [email protected]