ليس من السهولة على أي حضارة في هذا العالم الكبير -فضلًا عن واقع حضارتنا المعاصر- أن تستنسخ الحلم الأمريكي، وأنا أجزم أن معظم المبتعثين إلى الولاياتالمتحدة، لا يلبثوا وبعد مضي أشهر من العودة إلى أرض الوطن أن يفيقوا من هذا الحلم ويعيشوا الواقع الأليم بل ويندمجوا فيه دون أدنى تأثير وكأن شيئًا لم يكن، بل ولا يمكن لنا نحن المبتعثين السابقين أن ننكر إخفاقنا في الثبات على أبسط أخلاقيات الغرب، وبما أن الحديث عن الأخلاق، فمن أبرز جوانبها هو تلك الأخلاق المتعلقة بقيادة السيارات واحترام قواعد المرور، ولقد ذكر الدكتور طارق السويدان في إحدى محاضراته أنها المعيار في تحديد مستوى تفكير وعقلية الإنسان لدرجة أنه يقول: "إذا أردت الحكم على أي إنسان بأنه خلوق، فأول شيء اختبره فيه هو قيادته للسيارة وتعامله مع الناس أثناء القيادة"، وصدق الدكتور السويدان لأن هذا الاختبار يكشف فعلًا المستور من سلوكيات بعض الشباب، وتظهر فيه الفضائح بشتى أشكالها من العصبية والنرفزة والسباب والشتم وقلة الذوق، وقد يصل الأمر أحيانا إلى العراك بالأيدي والعصي أو أي أدوات أخرى مخبئة في شنطة السيارة، كما يفعل بعض الشباب الطائش، وبما أن القيادة الصحيحة المتحضرة تبدأ بربط الحزام، فأنا كغيري من المبتعثين لا أذكر مرة واحدة قدتُ فيها سيارتي بلا حزام الأمان، سواءً في أمريكا أو بريطانيا، لأن ذلك قانون مُتّبع هناك، وهو من أساسيات القيادة الآمنة. ولكن عندنا الأمور تختلف، فنحن لسنا مجبولين على ربط أنفسنا بهذا الشيء ولم نتعود عليه أبدا، وحزام الأمان هنا يبقى مرتبطًا بقرار مفاجئ أو حملة مرورية معينة، أو ربما مزاج رجل مرور ما، وليس نظامًا مروريًا ثابتًا، ومُطبَّق على مدار العام. الحديث ذو شجون.. وله بقية بإذن الله.