الحمد لله الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم، وجعل من الخطابة وسيلة للإقرار بالحق وإبراء الذمم وأصلي وأسلم على الرحمة المهداة والنعمة المسداة سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. كان لي شرف حضور حفل افتتاح فعاليات المدينةالمنورة عاصمة الثقافة الإسلامية لعام 2013م. كان الحضور مميزًا من أصقاع الأرض رؤساء دول سابقين ووزراء وعلماء وأصحاب فكر وقلم، ولست بصدد الحديث عن التنظيم وحسن الضيافة أو التهذيب الذي لمسه كل الضيوف من المنظمين للندوة، لقد زيَّن حفل الافتتاح رعاية صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز ولي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الذي ارتجل كلمته مدشنًا حفل الافتتاح والفعاليات وكان سموه حصيفًا رائعًا كالعادة، سلمان الإنسان المواطن الأمير المسؤول رحَّب بضيوف بلده مشيرًا إلى قيمة وعظمة أم المدن ومهجر النبي عليه أفضل الصلاة والسلام، ثم تحدث عن دور المملكة في خدمة ورعاية وأمن وحماية ضيوف الرحمن من الزوار والحجاج والمعتمرين. كانت درة التاج في حفل الافتتاح كلمة معالي وزير الثقافة والإعلام الدكتور عبدالعزيز محيي الدين خوجة التي كانت بحق عبق الحفل حيث استهل بالترحيب والشكر مَقدِم ولي العهد ورعايته الشخصية ومتابعته الدائمة الحثيثة لهذه المناسبة الثقافية الإسلامية الكبرى بالرغم من مسؤولياته وأعبائه الجسام، وكانت "لمسة وفاء" شكره لأمير المدينة آنذاك الأمير عبدالعزيز بن ماجد. لقد أصغى الحضور بانبهار وسعادة لهذا الخطاب الفريد المميز الذي ذكر فيه فضل مدينة المصطفى صلى الله عليه وسلم ودورها وعظمتها. وليسمح لي معاليه أن أنقل عباراته الرائعة كما هي حيث قال: (صاحب السمو الملكي ولي العهد، الحفل الكريم.. فبحسب أحدنا أن يقول: المدينةالمنورة ثم يقف! فاسمها كافٍ لبيان وصفها وحقيقتها.. وما الذي يبقى للسان ليقوله، وللقلم ليخطه، وقد تربعت المدينةالمنورة على القلب، وتملكت الفؤاد؟ فحسبها أنها المدينةالمنورة! حسبها أنها مهاجر النبي الحبيب سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- وحسبها أنها دار الهجرة، وبلد المهاجرين والأنصار، وحسبها أنها دار النصرة والعزة والمشاهد والمدنية والدولة والعلم والأخلاق! وحسبها أنها ومكةالمكرمة أختان شقيقتان تنزعان عن قوس واحدة، تنهلان من معين واحد! يكفيها ذلك لبيان حالها.. إنها ليست كسائر المدن فتلك المدن لها تبع، وإليها تنتسب فهي المبتدأ وأولئك الخبر وهي ومكةالمكرمة الألف وهن بقية حروف الهجاء!). كانت شاعرية ومشاعر معالي وزير الثقافة والإعلام حاضرة في خطابه المؤثر عندما أشار إلى القيمة الدينية والعلمية والحضارية للمدينة المنورة حيث قال معاليه: (فمنذ اتخذ النبي الكريم سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- من يثرب دارًا لهجرته وصحبه الكرام -رضوان الله عليهم- أصبح اسم هذه البلدة المباركة "المدينةالمنورة" فالإسلام دين مدن وعواصم حضارية، ومنذ الفتوحات الأولى أنشأ الفاتحون الأوائل المدن حتى ليصح القول: إن الحضارة الإسلامية هي حضارة مدن، إن المدن الإسلامية مدن علم وثقافة، وإن كل مدينة تكوّن مع سابقتها ولاحقتها حلقات متصلة تؤول كلها إلى مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة). ثم أردف قائلاً بعد أن تحدث عن أئمة العلماء وأدوارهم العظيمة، وأن الزمان لم يقف عند عهوده القديمة فحسب، فالمدينةالمنورة علومها وثقافتها استمرار في المكان والزمان ولها شواهد في كل المدن والعواصم الإسلامية. باسمي واسم كثير من الحضور الذين طلبوا مني أن أنقل إعجابهم وتقديرهم للكلمة الرائعة لمعاليه، ومن ضمنهم فخامة الرئيس السوداني السابق سوار الذهب وفضيلة الداعية الإسلامي المعروف الشيخ محمد حسان الذي قال لي بالحرف الواحد: (والله لقد تأثرت بصدق حروف كلمات معاليه وتوهّج معانيها حتى أبكتني)، وطلب مني نقل ذلك إلى معاليه. ليس لي إلا جريدة "المدينة" الغراء حيث أكتب عبرها ومن خلالها تواصلي مع القراء، أعبر عن صدق مشاعري نحو من أحترمهم وأجلهم. أتمنى من معالي الوزير أن يهدي خطابه الذي ألقاه في المدينةالمنورة إلى أقسام الإعلام في الجامعات لتكون نموذجًا عمليًا راقيًا للخطاب المؤثر لاسيما في مناسبة وطنية عظيمة كهذه، وأخيرًا أشكر كل القائمين على فعاليات المدينةالمنورة عاصمة الثقافة الإسلامية لعام 2013.