ألقى معالي وزير الثقافة والإعلام نائب رئيس اللجنة العليا لمناسبة المدينةالمنورة عاصمة للثقافة الإسلامية الدكتور عبدالعزيز بن محيي الدين خوجة الكلمةً التالية: بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الانبياء والمرسلين، نبينا وحبيبنا سيدنا محمد، وعلى آله الطاهرين، وصحابته الغر الميامين. صاحب السمو الملكي الامير سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع، رئيس مجلس ادارة دارة الملك عبدالعزيز صاحب السمو الملكي الامير فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز، امير منطقة المدينةالمنورة اصحاب السمو والمعالي والفضيلة اصحاب المعالي وزراء الثقافة في الدول العربية والاسلامية معالي الدكتور عبدالعزيز بن عثمان التويجري المدير العام للمنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة الحفل الكريم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته انها مناسبة مباركة ونحن نحتفل هذه الليلة بافتتاح فعاليات (المدينةالمنورة عاصمة الثقافة الاسلامية لعام 2013م) ويزيدها شرفا اننا في المدينةالمنورة، والى جوار مسجد قباء اول مسجد اسس في الاسلام، في هذا المكان الذي يعيد الى انفسنا الطمأنينة، ونحن نستعيد تلك الذكرى العطرة، ذكرى قدوم اعظم مهاجر في التاريخ، نبينا وحبيبنا سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - الى هذه الارض الطيبة، وها نحن الليلة نجتمع في هذا الجوار الكريم، لنكتب من تاريخ المدينةالمنورة فصلا واحدا، هو فصل الثقافة العظيمة التي نشأت هنا، وبلغ صداها الخافقين. ويشرفني ان اتوجه بأخلص الشكر الى حضرة صاحب السمو الملكي الامير سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، على رعايته حفلنا هذا، ومتابعته الحثيثة لهذه المناسبة الثقافية الاسلامية الكبرى. كما اتوجه باعطر الشكر الى صاحب السمو الملكي الامير عبدالعزيز بن ماجد بن عبدالعزيز على ما قام به من اعداد جيد لهذه المناسبة مع دارة الملك عبدالعزيز والامانة العامة لهذه الاحتفالية وجميع الجهات الحكومية والتعليمية في المدينةالمنورة، ولصاحب السمو الملكي الامير فيصل بن سلمان بن عبدالعزيز، امير منطقة المدينةالمنورة، الذي جعل هذه المناسبة الكبرى وانجاحها في سلم اولوياته. كما لا يفوتني ان اشكر معالي المدير العام للمنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة والمختص بالمنظمة على جهودهم الملموسة لانجاح هذه المناسبة. صاحب السمو الملكي ولي العهد الحفل الكريم فبحسب احدنا ان يقول: المدينةالمنورة ثم يقف! فاسمها كاف لبيان وصفها وحقيقتها.. وما الذي يبقى للسان ليقوله، وللقلم ليخطه، وقد تربعت المدينةالمنورة على القلب، وتملكت الفؤاد؟ فحسبها انها المدينةالمنورة! حسبها انها مهاجر النبي الحبيب سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وحسبها انها دار الهجرة، وبلد المهاجرين والأنصار.. وحسبها انها دار النصرة والعزة والمشاهد والمدنية والدولة والعلم والاخلاق! وحسبها انها ومكةالمكرمة اختان شقيقتان تنزعان عن قوس واحدة، وتنهلان من معين واحد! يكفيها ذلك لبيان حالها.. انها ليست كسائر المدن، فتلك المدن لها تبع، واليها تنتسب، فهي المبتدأ وأولئك الخبر، وهي ومكةالمكرمة الألف وهن بقية حروف الهجاء! صاحب السمو الملكي ولي العهد الحفل الكريم نحتفل الليلة، ولمدة سنة كاملة بالمدينةالمنورة عاصمة للثقافة الاسلامية للعام 1434 / 2013م، في سلسلة الاحتفال بالعواصم الثقافية الاسلامية. فمنذ اتخذ النبي الكريم سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - من يثرب دارا لهجرته وصحبه الكرام - رضوان الله عليهم - اصبح اسم هذه البلدة المباركة (المدينةالمنورة ) فالاسلام دين مدن وعواصم حضارية، ومنذ الفتوحات الاولى انشأ الفاتحون الاوائل المدن، حتى ليصح القول: إن الحضارة الاسلامية هي حضارة مدن، وان المدن الاسلامية مدن علم وثقافة، وان كل مدينة تكون مع سابقتها ولاحقتها حلقات متصلة، تؤول كلها الى مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة. ولقد تهيأ للمدينة المنورة، منذ الصدر الاول من تاريخها المضيء، اسباب جعلتها اصلا لهذه الثقافة الاسلامية العظيمة، فهي الاصل وهي المبتدأ، فمنذ بنى نبينا وحبيبنا سيدنا حمد - صلى الله عليه وسلم - وصحبه الكرام مسجده الشريف بدأت النواة الاولى للعلوم الاسلامية، على اختلاف ضروبها: علوم القرآن الكريم، والتفسير، والفقه، والاصول، والحديث، واللغة، والادب والاخلاق. ومنذ انطلق الصحابة الكرام - رضوان الله عليهم - الى المدن الجديدة والثغور، تكونت معالم العلوم الاسلامية ومدارسها، واخذت كل مدينة طابعا خاصا بها، بحسب الصحابي الكريم الذي نزل بها، ثم نما ذلك العلم وامتد اثره، وهو، في كل احواله، الى المدينةالمنورة ينتسب، ويكتسب قيمته واهميته بالاتصال بها. صاحب السمو الملكي ولي العهد الحفل الكريم ان الرجوع الى كتب التراجم والسير يقفنا على ان المدينةالمنورة هي الوعاء الذي فاض بالعلوم العربية والاسلامية، وان من يتتبع اسانيد الرجال والنساء الذين حملوا العلم ورووه، جيلا بعد جيل، يصل تلك العلوم بالمدينةالمنورة وليس ذلك الامر وقفا على العصور القديمة، ولكنه امتد الى يومنا الحاضر. ويكفي للدلالة على ذلك ان نلمح الى كبار الصحابة - رضي الله عنهم - الذين اختص كل واحد منهم بعلم من العلوم الاسلامية، وان نشير الى التابعين، والى الفقهاء الستة، والى الاصول الاولى لتدوين التاريخ والسير، والى رواة الاخبار والنوادر والادب.. كل تلك العلوم انما انطلقت من هذا المدينةالمنورة. وحيثما سرنا في ادوار الاتاريخن وانى سلكنا في دروب الجغرافيا فان اثرا عظيما من اثار المدينةالمنورة يضيء الازمنة، ويضمح الامكنة، بل اننا واجدون في كتب الرحلات الحجازية، وتعدادها بالمئات، ما يجلي تاريخ العلم والثقافة في طيبة الطيبة، ويقفنا على ألوان الشوق والتوق التي حملتها كلمات أولئك الرحالة، وهم يضربون في الارض املا في الوصول الى هذه الغاية التي لا تدانيها غاية، في الوف الحكايات التي تستحق السرد والرواية، واشهرها الرحلة في طلب الحديث النبوي الشريف، ورحلة كتاب (الموطأ) لامام دار الهجرة مالك بن انس - رحمه الله - شرقا وغربا، وشمالاً وجنوباً. صاحب السمو الملكي ولي العهد الحفل الكريم ماذا احدث عن الثقافة الاسلامية في المدينةالمنورة؟! ان كل حديث عن العلوم العربية والاسلامية هو حديث عنها، وللمدن الاسلامية، قبل النهضة الحديثة، تأثير كبير في وحدة العالم الاسلامي، وخاصة مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة، حيث كانت هاتان المدينتان تعبيراً خالصاً عن التقاء المسلمين في مشارق الارض ومغاربها، ممن شرفهم الله - تبارك وتعالى - بالحج والعمرة والزيارة، فالتقت كل اجناس المسلمين هنا، واجاز العلماء الانداد والتلاميذ، وكم من كتاب ألفه صاحبه في الروضة المشرفة، وكم من عالم تحلق حوله تلاميذه في رواق من اروقة المسجد النبوي الشريف، وكم من مدرسة قامت بجليل الاعمال، وكم من رباط، وكل تلك الاعمال دونها التاريخ ووعاها لحظة لحظة، حتى لكأننا نعيش تلك التواريخ العظيمة، ونشاهد بعين الفؤاد كيف دون الامام مالك بن انس كتابه (الموطأ) وكيف روى الامام الزهري التاريخ والسير، ونكاد نرى الشافعي - رحمه الله - حين اختلف الى الامام مالك، ونرى العلماء والادباء والمؤرخين والرحالة ينتهزون الفرص حتى يخرجوا للناس ثمار هذه الحضارة الزكية، ونكاد نسمع لتلك الاصوات الندية ترتل القرآن الكريم، وتروي الحديث الشريف، وتتناقل العلوم والآداب، واكاد اسمع اصوات حسان بن ثابت وعبدالله بن رواحة وكعب بن مالك - رضي الله عنهم - ينشدون أعذب الاشعار في سيد ولد آدم سيدنا وحبيبنا محمد - صلى الله عليه وسلم - صاحب السمو الملكي ولي العهد الحفل الكريم لم يقف الزمان عند عهوده القديمة فحسب.. فالمدينةالمنورة، وعلومها وثقافتها، استمرار في المكان والزمان، ولها شواهد في كل المدن والعواصم الاسلامية، واستمر هذا الاثر العظيم للعلوم الاسلامية الى العصر الحديث، والى يومنا هذا، ويكفينا ان نعرف ان المدينةالمنورة ظلت مقصدا للعلماء والادباء، من كل اصقاع العالم الاسلامي، اتخذها نفر منهم هاجرا وجوارا، واتخذها بعضهم دار علم ومدارسة، ولم ينقطع اثرها، وخير شاهد على ذلك الثراء العلمي والثقافي في العصر الحديث ما نقرأه في كتب ابنائها من الادباء والعلماء والمثقفين، ففيها حياة واسعة للعلماء والادباء والساسة، وفيها نقف على التأثير العلمي والثقافي في المدينةالمنورة، ونقرأ كيف قصد علماء وزعماء هذه الارض الطيبة، يطلبون العلم في مسجدها الشريف، ويتلقون العلم على علمائها، وينشدون فيها الامل والحرية.. تمر علينا اسماء محمد البشير الابراهيمي وعبدالحميد بن باديس وشكيب ارسلان وآخرين سواهم من اعلام العالم الاسلامي وعلمائه، ونقرأ تاريخ الحركة الادبية والعلمية لاسر المدينةالمنورة، في انديتهم وبساتينهم، وحلقات العلم: كيف انشأوا المدارس والمعاهد، وكيف عانوا الصعاب، وهم ينقلون، وسط رمال الصحراء، المطبعة، لينشئوا صحفهم ومجلاتهم، وقرأنا ابداعهم شعرا ونثرا يضوعان روعة وجمالا واصالة وابداعاً. الحفل الكريم لقد شرف الله - تبارك وتعالى - المملكة العربية السعودية بخدمة الحرمين الشريفين، وخدمة الحجاج والمعتمرين والزوار، ولقد دأب الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن - طيب الله ثراه - وابناؤه الملوك سعود وفيصل وخالد وفهد - رحمهم الله - على شرف خدمة المدينةالمنورة ومسجدها النبوي الشريف، ورعاية حركة العلم والثقافة فيها، وها نحن اليوم نرى حرص خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - يحفظه الله - على مواصلة هذا النهج الاسلامي العظيم، بخدمة الحرمين الشريفين، ايمانا منه - حفظه الله - بهذا الواجب الديني العظيم، ورغبة في الاجر والثواب من الباري - جل جلاله - حيث اعطى - حفظه الله - اولوية خاصة للعلم والثقافة في مدينة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وركز جل اهتمامه خدمة الحرمين الشريفين وتوفير سبل الراحة لقاصديهما من الحجاج والعمار والزوار فقبل ايام معدودة اطلع - حفظه الله - على التعديلات التي سبق ان وجه بها للتوسعة الكبرى للمسجد النبوي في الجهات الشمالية والشرقية والغربية، ووجه - حفظه الله - بالبدء الفوري للمشروع، تيسيراً لزوار المسجد النبوي الشريف. صاحب السمو الملكي ولي العهد الحفل الكريم حظي برنامج المدينةالمنورة عاصمة للثقافة الاسلامية بتنوع في النشاطات، وقام على تنفيذها عدد كبير من الوزارات والجامعات والادارات الحكومية ومؤسسات القطاع الخاص، وشملت ألوانا عديدة، لتعبر كلها عن روح هذه المدينة العظيمة، وتومئ، ولو بطرف، الى ما اسدته الى العلوم الاسلامية منذ شرفها الله بهجرة نبيه الحبيب سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - اليها، والى يوم الناس هذا. شكرا - يا صاحب السمو - على رعايتكم الكريمة لهذا الحفل، وارجو ان يجد الجميع في هذه البرامج الثقافية لهذه المناسبة غايتهم واملهم، وان يحفزهم ذلك على العلم والثقافة والابداع.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته