الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد،،، قد تنزل بالمسلم حالات تضيق عليه شؤونه وأموره، ويشق عليه التأقلم والتكيف معها، فيجوز له في هذه الحالات أن يتوسع قدر حاجته دون حيف أو زيادة، وهذا هو معنى قاعدتنا الفقهية: «إذا ضاق الأمر اتسع»، وهي قاعدة تنسب للإمام الشافعي، وقد أجاب بها في ثلاثة مواضع: أحدها إذا فقدت المرأة وليها في السفر، فولت أمرها رجلا، فإنه يجوز لها ذلك، فقال له تلميذه يونس بن عبدالأعلى: كيف هذا؟ فقال الشافعي: إذا ضاق الأمر اتسع. ومن الأمثلة التطبيقية لهذه القاعدة أن المرأة المطلقة أو المتوفى عنها زوجها لا يجوز لها الخروج من بيتها أثناء العدة، ولكنها إذا اضطرت للاكتساب أو قضاء حوائجها فإنه يجوز لها ذلك، فقد قال جابر بن عبدالله: طُلِّقت خالتي، فأرادت أن تجُدَّ نخلها -أي تصرمه وتقطع ثمرته -، فزجرها رجل أن تخرج، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «بلى، فجُدِّي نخلك، فإنك عسى أن تصَدَّقي، أو تفعلي معروفا» رواه مسلم وأحمد. ومن الأمثلة التطبيقية أيضا ما لو عمت البلوى بصناعة الجبن بإنفحة متنجسة، فيحكم بطهارته،ويجوز أكله وبيعه، ولا يجب غسل الفم منه، ولكن يجب على المسلمين وجوبا كفائيا أن يتولوا صناعة أطعمتهم بأنفسهم وفق شريعتهم. ومن الأمثلة التطبيقية أيضا ما عمت به البلوى في الزمن الماضي من صناعة الخزف بالسرجين النجس،ثم يوضع فيه الماء للشرب والوضوء، فيجوز الشرب منه والوضوء به. ومن الأمثلة التطبيقية أيضا جواز أخذ الأجرة على الطاعات، كتعليم القرآن والأذان والإمامة؛ حفظاً للشعائر الدينية من الضياع، فإن وجد من يقوم بذلك تبرعا واحتسابا مُنِع الاستئجار. ومن الأمثلة التطبيقية أيضا ما نص عليه الفقهاء من جواز جرح رواة الحديث ونقلة الآثار؛ حفظا للسنة والتاريخ من التحريف والتزوير، وأن هذا الجرح لا يعد غيبة لهم. ومن الأمثلة التطبيقية أيضا المسألة التي رُفعت لابن الصلاح عن رجل توفي، وخلَّف ابنين صغيرين وزوجة هي أمهما، وذلك في بلد يخاف على مالهما من القاضي ومن تولَّى على الأيتام، فهل يجوز لأمهما أن تدفع مالهما إلى أخ لها من أهل الخير والصلاح، يتصرف فيه، ويتجر لهما كيلا تأكله النفقة، مع أنه لا وصية عليهما للأم ولا لأخيها، فأجاب بجواز ذلك للضرورة للأخ الموصوف؛ لفقدان القاضي الأهل وفقدان من له الولاية شرعا، ثم قال: وإذا ضاق الأمر اتسع.