الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد،،، الإنسان مخلوق معرَّض للسهو والنسيان، بل قيل: إن الإنسان سمي بذلك لنسيانه، وجاء في الأمثال: الإنسان محل النسيان، وروي عن ابن عباس أنه قال: إنما سُمِّي الإنسان؛ لأنه عهد إليه فنسي، رواه الطبراني في الصغير. ويترتب على هذه الحقيقة أن المسلم قد يتيقن من أمرٍ ما، ثم يطرأ عليه - بسبب قابليته للنسيان - شك في بقاء ذلك الأمر على ما هو عليه، وهنا تأتي القاعدة لتقرر أن الشك الطارئ لا يؤثر على اليقين، وأن اليقين لا يزول ولا يرتفع حكمه بسبب هذه الشكوك. ومن الأمثلة التطبيقية لهذه القاعدة من تيقن أنه توضأ، ثم طرأ عليه شك في ارتكابه ناقضا للوضوء، فحكمه في هذه الحالة أن وضوءه صحيح باقٍ، ولا يرتفع بمجرد تلك الشكوك، وكذلك من تيقن أنه محدث، ثم طرأ عليه شك في قيامه بالوضوء، فحكمه في هذه الحالة أن حدثه باقٍ، ويجب عليه الوضوء قبل قيامه بالعبادات التي يشترط الوضوء لها كالصلاة والطواف ومس المصحف. ومن الأدلة على القاعدة وعلى المثال السابق قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه، أخَرَج منه شيء أم لا؟ فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا» رواه البخاري ومسلم؛ لأن الوضوء متيقن، والحدث مشكوك فيه. ومن الأمثلة أيضا ما دل عليه حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا شك أحدكم في صلاته، فلم يدرِ كم صلى: ثلاثا أم أربعا؟ فليطرح الشك وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، فإن كان صلى خمسا شفعن له صلاته، وإن كان صلى إتماما لأربع كانت ترغيما للشيطان» رواه مسلم وأحمد، فقد نص هذا الحديث على قاعدتنا الفقهية باعتماد اليقين وهو العدد الأصغر، وطرح الشك وهو العدد الأكبر. وقد تولَّد من هذه القاعدة قواعد، كقولهم: الأصل بقاء ما كان على ما كان، فمن أكل في ليل رمضان، ثم شك هل دخل عليه الفجر أم لا، فالأصل بقاء الليل، وصومه صحيح. وقولهم: الأصل براءة الذمة، فلو ادعي مدَّعٍ بحق على رجل، وليس له بينة، فلا يثبت له شيء؛ لأن الأصل براءة ذمة المدَّعى عليه، ويدل له قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لو يعطي الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن البينة على المدعي، واليمين على المدعى عليه» رواه ابن ماجه والبيهقي.